|
|
|
|
|
أضيف في 04 مارس 2019 الساعة 22 : 08
دائمًا ما يركز التعليم التقليدي على معيار واحد للنجاح فقط: اختبارات، واجبات، مشروعات، وكلها مسطرة قياس موحدة للجميع، الطلاب والطالبات ملزمون بتحقيق هذا المعيار الوحيد لضمان عملية الترقي للمراحل التالية، بافتراض أن جميع البشر يتمتعون بنفس القدرات وذات الإمكانات، وما دام هناك طالب واحد استطاع أن يحقق هذا المعيار، فجميعهم قادر على ذلك. هذا هو «توحيد التعليم».
أما مرحلة «تفريد التعليم»، فتقوم على مبدأ الإقرار أولًا بأن الطلاب متفاوتون في قدراتهم وإمكانياتهم خلال عملية التعلم.
ففي مرحلة التفريد يوجَّه المدرس إلى وضع خطة فردية تتناسب مع الاختلافات الطبيعية بين طالب وآخر. وتتسم هذه الخطط الفردية بالمرونة العالية بحيث يتمكن المدرس من متابعة أداء كل تلميذ على حدة، وبحسب نقاط قوته وضعفه يحدد الأستاذ مدى تطور مستواه التعليمي: لا يقارَن تلميذ بآخر، كل تلميذ له مسار تقييمي خاص يدركه أستاذه جيدًا. لا غرابة إن عرفنا أن متتالية، وربما يعرف تلاميذه أكثر من ما يعرفه آباؤهم.
كيف تلاشت نسب الرسوب في مدارس فنلندا؟
المدرسة الفنلندية ترى رسوب الطالب: يعيد السنة ويتأخر ويحبط ويُلام، بينما يظل المنهج مصانًا رغم عواره، والمدرس محميًا رغم التقصير.هكذا يحدث الرسوب: شخص واحد يُملي دروسًا كثيفة على أدمغة كثيرة خلال ساعات قليلة. يضطر الطالب، المزدحم بسبع مواد وسبعة مدرسين وسبعة متطلبات، أن يلجأ إلى مساعدة من خارج الفصل (مدرس خاص، صديق أكبر، أم خارقة، رشوة، تسريب، غش، إلخ ) كي يلحق بالمنهج، ومن لا يفعل سيستمر في كرسيه لعام إضافي.
رسوب الطالب فشل للأستاذ والمادة والمنهج وطاقم الإدارة جميعًا.
من حق كل طالب مهما يكن مستواه أن يتحصل على دعم شخصي من أستاذه داخل فصله، بهذا فقط تلاشت نسبة الرسوب في فنلندا.
وكما يقولون هناك: «نحن أمة صغيرة، لذا لا نهمل أي طالب».
قد يعجبك أيضًا: ليس كل الإجابات في المدرسة: الجهل كوسيلة للتعليم.
قصة طالب عاش زمن الركود يكبر الطالب الفنلندي، ليختار مسارا ينقذ فيه بلاده وينتشلها من الركود الاقتصادي الذي كانت تعاني منه. في مطلع تسعينيات القرن العشرين تعرضت فنلندا لركود اقتصادي حاد لم تشهده من قبل. ارتفعت معدلات البطالة لنسب مخيفة، وهبط ناتجها المحلي في الحضيض، ووصل الدين العام إلى أعلى مستوياته، وانهار القطاع المصرفي بالكامل، فكيف كانت الحكومة تُعِدُّ الطالب في خضم تلك الأزمة؟
خلال الأزمة، كان هناك طفل فنلندي ينام ويلعب في بيته كما يحلو له، لم يجرب الحضانة أو رياض الأطفال، ليس بعد، بل أخذ سنواته السبعة الأولى كاملة في البيت، ينمو فيها بشكل طبيعي عفوي جدًّا.
حين بلغ السابعة التحق بمدرسة الحي القريبة، استقبله أستاذ وأخبره بأنه هنا لمساعدته في جميع سنواته الابتدائية الأولى، وأول درس تعلمه هذا الطالب المبتدئ، في أول يوم دراسي، كان الاسترخاء.
لقد كان مسترخيًا تمامًا، مطمئنًا كل يوم، لم يتعرض لورقة اختبار تتحدى معلوماته، لم يتسلم ورقة مخططة بدرجات وتقديرات، لم يهدده أحد بالرسوب وإعادة السنة مرة أخرى. كانوا يقولون له: مدرستك رائعة، ستتعلم في الصباح ما يجعلك تتصرف بشكل أفضل خلال بقية اليوم.
يُقرَع الآن جرس المغادرة إلى البيت. في هذه اللحظة يكون الطالب قد امتلك باقي يومه، يمكث مع أمه، يلعب مع رفقته، يلتحق بناديه، يشارك والده المسؤولية. لا فرق، المهم ممارسة أنشطته المحببة، دون واجبات منزلية أو مدرس خصوصي ينتظره.
نجح درس الاسترخاء هذا، في كل المراحل، كبر طالبنا الصغير، الآن هو ناضج بما يكفي لاختيار مسار ينقذ فيه بلاده، ينتشلها من الركود الاقتصادي الذي كانت تعاني منه. هذا الطالب المنقذ هو جميع طلبة فنلندا.
ماذا يريد سوق العمل من المدرسة؟ يقولون في فنلندا: «نحن لا نملك ذهبًا ولا نفطًا. ولكن لدينا تعليم». بعد سنوات من هذه الأزمة الاقتصادية، صُنِّفَت فنلندا ضمن أقوى 20 دولة في القدرة التنافسية، في الوقت ذاته تسنَّم طلبتها أعلى مراتب التقييم العالمي.
فحتى الشركات التجارية في فنلندا كانت تنبذ الطرق الجرثومية في التعليم والتقييم، موقنةً باحتياجها الحقيقي لنوع الطالب المطلوب:
طالب مُعَد نفسيًّا لمواجهة المشكلات، وذهنيًّا لابتكار الحلول.
هذا ما كان ينتظره القطاع الاقتصادي من القطاع التعليمي. وتلك كانت نظرته للمدرسة باعتبارها منصة ملهمة لبث الأفكار المبتكرة في المجتمع. وهكذا انتقلت فنلندا من اقتصاد يعتمد على الموارد إلى اقتصاد يعتمد على الابتكار.
وكما يقولون في فنلندا: «نحن لا نملك ذهبًا ولا نفطًا. ولكن لدينا تعليم».
التعلم من خلال «إنجري بيرد«Teach like Finland» (دَرِّس مثل فنلندا )، الكتاب الذي ألفه المعلم الأمريكي «تيموثي ووكر»، يحكي تجربة الانتقال للتدريس في فنلندا، وينشر أساليب وأفكار ووسائل موجهة إلى مدرسي العالم.
قبل أن ينتقل إلى التدريس هناك، ظن ووكر أن تفوُّق المنهج الفنلندي يقف وراءه عوامل كثيرة معقدة جعلت منه الأول عالميًّا، كانت تتوقع رؤية مبان مدرسية بطراز مختلف، أو مناهج مفصلة بأحدث الاكتشافات، أو وسائل تعليمية خاصة، أو رواتب عالية للمدرسين. لا، لم تكن الصورة كذلك، الوضع أبسط مما توقع الجميع.
حاول ووكر، بعد سنوات من التدريس في فنلندا، أن يصف تواضع المنهج الفنلندي بهذه الصفات الست التي جمعها في كلمة «بسيط» (SIMPLE )، وهي الأحرف الأولى من كلمات: Sensible (معقول )، وIndependent (مستقل )، وModest (متواضع )، وPlayful (مرِح )، وLowstress (منخفض التوتر )، وEqui table (عادل ).
ملخص ملامح المنهج الفنلندي: معقول: منهج خفيف مليء بفترات الاستراحة بواقع 15 دقيقة حرة بعد كل 45 دقيقة تعلُّم مستقل: قدر كبير من الاستقلالية يتمتع به الطالب داخل الفصل، حركته، حواره مع أستاذه، تعاونه مع زملائه وتشكيل فرق عمل جماعية. متواضع: ألا تشترط أحدث المناهج وأفضل التقنيات وأرفع الميزانيات لتطوير التعليم. إنك من خلال منهج متوازن يراعي الطالب يمكنك أن تكون الأفضل في العالم. مرح: الطالب الفنلندي يبدأ التعلم في سن السابعة لأنه بحاجة إلى أن يقضي طفولته قبل ذلك في اللعب. يدخل المدرسة ويدرس ثلاث ساعات في اليوم الواحد مليئة بالتعلم من خلال اللعب، وباقي وقته في المدرسة يقضيه في اللعب أيضًا، ثم يرحل باكرًا من المدرسة ليلتحق بناديه ليستكمل اللعب. هذه قوة اللعب منخفض التوتر: بيئة التعلم داخل المدرسة وبعد المدرسة يجب أن تكون هادئة ومريحة ولا تتطلب إضفاء أجواء التوتر والإجهاد. الهدوء والاسترخاء مطلبان مهمان للتلميذ والمعلم معًا. عادل: لا يهم أين تسكن، فأنت دائمًا قريب من المدرسة التي ترغب فيها. لا توجد شروط تعقد قبول ابنك بالمدرسة المطلوبة، هذا حق للجميع. إذًا الطالب يجب أن يتحرك ويلعب ويتحدث داخل الصف، وتتجاوب مع فطرته بمزيد من الألعاب التعليمية والمساحات الحوارية والتعبيرية مع الأستاذ.
هذا ما تسعى إليه شركة «Angry Birds»، مصممة اللعبة الشهيرة التي تحمل الاسم ذاته، وهي شركة فنلندية بالمناسبة: تصميم ألعاب تشرح المسائل العلمية من خلال المغامرة والترفيه.
يفسر ذلك توجه أكثر الطلبة الفنلنديين لاستكمال تعليمهم العالي. تعليم بهذه الروعة، لمَ لا؟
سعادة الناظر: جرب هذه.. نصائح من داخل الفصول الفنلندية موجهة إلى مدير المدرسة بخصوص الطالب والمدرس والمنهج، عاجل وللأهمية لعمل اللازم:
الطالب: استمع لرأيه بكل موضوع يدرسه. شجعه على اكتشاف مكمن المشكلة واقتراح الحل ذاتيًّا.انبش عن موهبته الخاصة التي يتفوق بها على الجميع. المدرس: خفف عنه العبء المطلوب منه تدريسه. ضغط المادة يقلل من قدرته على الإبداع في التدريس، ويضعف من قدرته على التواصل مع كل طالب. المدرس يجب أن يكون أقل من يتكلم. الصف الدراسي المثالي هو الذي يعبر ويناقش ويتحاور فيه الطلبة أكثر من الأستاذ (وهذه فلسفة جون ديوي ) امنحه ثقتك، وأعطه صلاحيات أوسع لحل المشكلات اليومية دون ضرورة الرجوع للإدارة. المنهج: قدم مناهج عملية ذات صياغة تركز على نحت المهارات الاجتماعية والإدارية، مع شق نظري يراعي الاختلافات الفردية بين الطلاب. كل منهج دراسي يجب أن يتضمن، عند تصميمه، الأساليب المرحة والمحببة التي تتفنن في توصيل المعلومة بشكل ممتع. خصِّص مواسم دورية للمسابقات والمنافسات الفردية والجماعية داخل المدرسة، فقد أثبتت فعاليتها في تغطية المنهج بشكل يفوق أسلوب التلقين. السير «كين روبنسون»، المستشار التعليمي البريطاني وأحد قادة التعليم في العالم، وصاحب الخطاب الأكثر شهرة ومشاهدة في تاريخ ملتقيات «TED» حول المدارس المبدعة، يقول: حين يسألني الناس ما لو كانت هناك دولة تطبق التعليم الإبداعي الذي أنادي به، أجيب: فنلند.
بقلم الدكتور يونس العمراني
|
|
2022 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|