الذين اهتدوا في فرنسا اليوم إلى ضرورة وضع قانون يحارب معاداة السامية والعنصرية عبر الأنترنيت، وبالتحديد في مواقع التواصل الاجتماعي، انتبهوا إلى أخطر ما في الموضوع ككل. هم التقطوا أن العنف المادي المتحقق على أرض الواقع، يبدأ بالعنف اللفظي والعنف الافتراضي. وهم استوعبوا أن التقليل من آثار هذا العنف الممارس يوميا عبر الأنترنيت من شأنه أن يجعل المرور إلى الاعتداءات الفعلية أمرا سهلا وقابلا للتطبيق..
في زمن آخر في المغرب أثير هذا النقاش، لكنه تقريبا مثل كل نقاشاتنا الهامة والحيوية، تم وأده في مهده لأنه كان مرة أخرى مزعجا للتوافق الزائف الذي نركن إليه في عديد الخلافات بيننا.
كانت مناسبة ذلك النقاش السماح أو عدم السماح لشباب ولآخرين أقل شبابا أن يعبروا عن فرحهم أو شماتتهم، في الأنترنيت وفي مواقع التواصل الاجتماعي تحديدا، بمقتل سفير دولة أجنبية في بلد أجنبي (السفير الروسي الذي قتل في تركيا).
تم إقفال النقاش بسرعة بعد أن انبرى حزبيون مساندون لأولئك الشباب للتقليل من آثار ما قاموا به واقترفوه، وتم اعتبار الحكم القضائي عليهم قاسيا ولا يجب أن يكون، ثم انتهت الحكاية كلها بخروج الشباب من السجن بعفو مع أمل الاستفادة من الدرس القاسي الذي كان..
نسينا الحكاية أو كدنا أن ننساها ثم تكررت مرة أخرى - لأننا لم نحاربها فعلا بل اكتفينا بالملامسة العابرة والسطحية لها - في حادثة واد أمليل المؤلمة، يوم وجد بعضنا القدرة على وقاحة لايمكن وصفها لكي يشرع في البحث عن مبررات وتسويغات لتلك الجريمة الإرهابية البشعة.
هنا أيضا تم التعامل مع الموضوع بحذر من يسير فوق حقل ألغام لا يريده أن ينفجر فيه. التنديد باستحياء بهذا التطاول على الحياة الآدمية، اعتقال بعض من كتبوا كلاما غير مقبول حول هاته النازلة المؤلمة، ثم الذهاب للبحث عن بعض المشاجب لتعليق الأمر عليها والاكتفاء بذلك
الحكاية لا تحل هكذا، بل بالعكس. الحكاية هكذا تزداد استعصاء يوما بعد يوم. ولمن يتابع عن كثب ماينشر في مواقع التواصل الاجتماعي المغربية، أن يحكم على درجة ومنسوب الكراهية الذي تحبل به عديد المنشورات، والتي تمر مرور الكرام دون أي إشكال لكأنها لا تعنينا ولا تنادينا ولا تحرك فينا أي استفزاز
وسواء تعلق الأمر بسب الديانة اليهودية التي يعتنقها عدد كبير من المواطنين المغاربة، والتي يعتقد بعض الفسابكة أن شتمها وووصفها بكل الأوصاف الممكنة هو أمر عادي بل هو أمر مأجور عليه غدا يوم القيام، أو بالنسبة للألفاظ العنصرية وعدم قبول الاختلافات في اللون والدين والجنس والاختيارات الحياتية المرتبطة بهذا الأخير، أو بالنسب للحط من قدر المرأة وترديد العبارات والكليشيهات المنتقصة من قيمتها دوما وأبدا، والمرور فور أي خلاف مع أي سيدة أو فتاة عبر الفيسبوك أو تويتر أو إنستغرام إلى وصفها بالكلمة السهلة الخبيثة، التي يلجأ إليها عديمو النخوة لكي يقفلوا النقاش، فإننا أمام صورة مجتمعية جد سيئة للغاية لا يكفي أن لا نتوقف عندها لكي لانراها أو لكي نتخلص منها ونعتبر أنها غير موجودة…
هي معنا، تعيش في شوارعنا، تردد نفسها داخل منازلنا، نسمعها في ملاعبنا ومقاهينا وأزقتنا وحوارينا وأماكن اشتغالنا وفي كل المواقع التي نلتقي فيها بهذا الوجه المجتمعي "المشروك" الذي يعلمنا المثل الدارج عن خطأ أو عن صواب أنه لايغسل أبدا..
سوى أنه من الممكن أن نشرع في عملية الغسل هاته إذا مااقتنعنا أن الأمر يتعلق فعلا بأوساخ علقت بعقولنا، وبأدران من اللازم التخلص منها، وليس بأخلاق فاضلة تعطينا الحق أن نؤمن دون وجه حق أننا خير أمة أخرجت للناس وأن الآخرين، كل الآخرين الذين يختلفون عنا هم أشر خلق الله وأكثرهم ضررا
وللحكاية بداية لا مفر منها، وهي تتعلق بمناهجنا التعليمية وبما يتم صبه في عقول الصغار وفي قلوبهم منذ لحظة التعلم الأولى. ولها قبل الدخول إلى المدرسة بوابة كبرى تسمى الأسرة، عليها إن كانت تريد ترك أشخاص أسوياء لمواجهة الحياة فيما بعد أن تعلمهم أن الاختلاف رحمة، وأن الإنسان العاقل السوي السليم هو الذي يتعايش مع الجميع بغض النظر عن اختلافه عن هذا الجميع، وبغض النظر عن اختلاف هذا الجميع عنه.
وطبعا على الشارع المشترك بيننا دور كبير ستنتجه لنا البداية الفعلية من الأسرة والمدرسة، وعلى وسائل الإعلام المحترمة والمبجلة واللطيفة، هاته التي لا تلعب دورا على الإطلاق باستثناء دور التلصص هي الأخرى على مايقع في البلد، أن تفهم أن هناك خطابا يمر، وأن هناك خطابات أخرى من المخجل ترديدها في لحظة الناس هاته، ونحن في السنة التاسعة عشر بعد الألفين من كل هاته القرون التي مرت والتي لم تنجح في اقتلاع القرون من رؤوس بعضنا .
هاته المعركة ليست ترفا قد نهديه لأنفسنا، أو قد نختار بالمقابل الاستغناء عنه.
هاته المعركة بوابتنا للدخول إلى الزمن الحديث إذا كنا نرغب في ذلك فعلا. ويكفيك أن تخرج يوما إلى عالم الله الفسيح، لكي ترى كيف يتصورنا الناس، وأن تعود وأن ترى كيف نتصور أنفسنا لكي تفهم أن البون شاسع وأن المسافة كبيرة وأن الفوارق هائلة بين المتخيل لدينا عن أنفسنا وبين ما هو متحقق على أرض هذا العالم من وقائع، نؤكدها للأسف الشديد بإصرارنا على انغلاق لا محل له من الإعراب سواء في ديننا أو في تربيتنا الأولى والأصلية قبل التشويه، أو في ثقافتنا الحقيقية والغنية بثرائها وتعددها وليس العكس.
فقط هي سلبيات ورثناها بغباء كبير، تورط فيها من سبقونا لأنهم لم يكونوا على نفس الدرجة من الاطلاع التي يتيحها لن التقدم اليوم، ومن العيب أن نواصل نحن رغم كل الآفاق التي انفرجت أمامنا النظر بذات الضيق وبذات الخوف من الآخر وبذات الانغلاق المقيت إلى هاته المواضيع.
نفهم أن من بيننا من يريد البقاء على قارعة هذا العصر الحديث، ولا يريد التخلي عن جاهليته الأولى، لكن نفهم بالمقابل ونؤمن أن أغلبيتنا تريد الإقلاع وعدم البقاء رهائن كل هذا التخلف الذي عرقل المسير منا في كل المجالات إلى حدود الآن…
ترنا ننتصر لرغبة التحرك هاته؟ أم ترانا نبقى حبيسي الجاهلية نردد أبيات شعر كثيرة ونشرب دنان مياه حياتنا الرخيصة ونواصل النوم أو الموت والأمر سيان؟؟؟
المختار لغزيوي