لا يخجل المسؤولون المغاربة من أنفسهم، حين يثيرون، عبثا، جدلهم حول التعليم وحول الأفضلية بين اللغة العربية واللغات الأجنبية، ولا يربطون تخلف البلاد بفشل منظومة التعليم وافتقاده الجودة المفروضة منذ عقود بعد الاستقلال، رغم العشرات من البرامج والمخططات، ورغم هدر مئات ملايير الدراهم لإصلاحه، من دون جدوى..
تعاقبت عشرات الحكومات ولا أحد استطاع من الوزراء والبرلمانيين المساهمة، قيد أنملة، في وضع اليد على مكمن الداء على الأقل. قرارات عمودية شتى تم إنزالها لضرورة الإصلاح، لم تسايرها يقظة من طرف الأحزاب الوطنية التي توقفت جرأتها عند تسييس هذا الإصلاح و أدْلَجَته، إلى درجة أن من الوزراء وممثلي الأمة من سمح لنفسه بالتبجح بجودة مزعومة لهذا القطاع، قوامها تهافت الدول المتقدمة، وفي مقدمتها الأوروبية، على مُخرجات التعليم المغربي، إذا لم يستحيوا مما يزعمون ليقولوا ما شاؤوا، فيما الأمر لا يعدو أن يكون مجرد هجرة جماعية لـ"الأدمغة" الوطنية، وبالإكراه، إلى مناخ ملائم للحياة العلمية والبحث والابتكار والتقدم الوظيفي، وبالتالي، ضمان حياة كريمة تكفلها مجاميع القانون، وكلها إمكانيات يفتقر إليها المغرب وتدعو إلى الهجرة، وتوجب، بـ"السيف" الإقبال عليها بالأحضان من طرف دول الاستقبال.
المخجل أنه في وقت يحارب فيه دعاة التعريب الانفتاح على اللغات الأجنبية واعتمادها، وقفت الحكومة كما وقفت سابقاتها عن الجواب الصريح حول الإشكال الفظيع الذي أصبح مؤرقا للأسر المغربية وعبئا مكلفا لميزانية الدولة في كل سنة مالية، ألا وهو فساد منظومة التعليم وأسبابها.
للذين يدافعون عن العربية والتعريب وعدم الانفتاح على اللغات الأجنبية، وفي مقدمتها الفرنسية والإنجليزية، نقول إن المغرب أصبح ثاني دولة في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط مُصدرا للكفاءات إلى السوق الفرنكفونية، إذ بات يعرف أعلى معدل لهجرة الكفاءات، حيث إنه علاوة على خمسين ألف طالب يتابعون دراساتهم بالخارج، ومائتي ألف كفاءة مغربية أخرى فضلت العمل بالمهجر وقررت الإقامة به، فإن فرنسا لوحدها (عاصمة اللغة الفرنسية) يمارس بها قرابة 7 آلاف طبيب مغربي بالإضافة إلى آلاف المهندسين المغاربة الذين يغادر منهم ما يزيد عن 600 مهندس سنويا، علما أن دراسة حديثة أكدت أن ثمانمائة إطار وألف ومائتي رجل أعمال وست مائة مهندس وستمائة وثلاثين طبيبا غادروا المغرب خلال سنة 2018 لوحدها. لذلك ولأجله، فإن الجدل حول المفاضلة بين اللغة العربية واللغات الأجنبية أصبح عقيما، في وقت تفرض إشكالية هجرة الأدمغة نفسها بقوة، في بلد يعيش مفارقة غريبة، يدافع خلالها الغالبية من أصحاب القرار عن العربية ليصدروا الكفاءات إلى عالم فرنكفوني وأنجلوسكسوني لهؤلاء نقول أيضا لماذا تسارعون إلى تدريس أبنائكم في مدارس البعثات الفرنسية والإنجليزية والأمريكية وحتى التركية وتتسابقون على دراستهم العليا بجامعات هذه الدول ومعاهدها الشهيرة إن كان للعربية قيمة كبيرة لديكم.
اللغة العربية لغة البلاد الرسمية لكن الانفتاح على اللغات الأجنبية ضروري ومفروض/ في وقت يتكلم العالم برمته الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والصينية، ويتعامل بدرحة أولى، باللغة الإنجليزية التي تهيمن على الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية والمعاملات بكل أنواعها.
الواقع يؤكد أن اللغة الرسمية لم تكن في يوم من الأيام عائقا أمام تقدم البلدان، وإلا كيف نفهم أن دولة من حجم إسرائيل التي تفرض نفسها قوة في العالم، تعتمد الإنجليزية لغة للهيمنة العسكرية والاقتصادية والسياسية، على الرغم من أن لغتها الأم هي العبرية..