شرعت يوم الثلاثاء 26 فبراير،غرفة الجنايات الاستئنافية بفاس في محاكمة أربعة متهمين ينتمون جميعهم لحزب العدالة والتنمية، في قضية جريمة قتل الطالب القاعدي محمد بنعيسى أيت الجيد قرب الحي الجامعي ظهر المهراز يوم 25 فبراير 1993 . " .
وتأتي المحاكمة الجديدة للمتهمين الأربعة مثلما يخبرنا بذلك مدير مكتبنا بفاس وزميلنا روشدي التهامي في مكان آخر من الموقع بعد أن قضت الهيأة القضائية بمحكمة النقض بالرباط بإسقاط الحكم الاستئنافي القاضي ببراءتهم من المنسوب إليهم من التهم الجنائية والجنحية التي وججها إليهم قاضي التحقيق بعد استجابة الهيأة القضائية للطعن الذي تقدم به الوكيل العام باستئنلفية فاس مطالبا باعتماد شهادة الشاهد الخمار الحديوي التي استبعدتها الهيأتان القضائيتان اللتان برأتا المتهمين ابتدائيا واستئنافيا في قراريهما السابقين .
آيت الجيد يرفض الموت، ويرفض السماح لقاتليه بمواصلة الحياة مطمئنين لكأنهم لم يقترفوا شيئا..
هذا الشهيد اتضح أنه أطول عمرا من قاتليه، واتضح أنه سيظل مزعجا لهم إلى أن تتضح الحقيقة...
الذين عولوا على طي الملف، على المسارعة بلمه وعلى الإقدام على تلفيق أحكامه الأولى لئلا يعرف الناس ماوقع بالتحديد كانوا واهمين وهم ينكرون أن الروح عزيزة عند الله، وأن المغاربة أناس بذاكرة جد قوية، وأن الأرض لا تنسى أبناءها.
لذلك ستظل هاته القضية مفتوحة، وسيظل شبح آيت الجيد يطارد قاتليه في المنام أولا وفي لحظات اختلائهم بأنفسهم ثانيا وأمام العدالة المغربية ثالثا.
ودعوكم من هراء صاحب المعاشات الاستثنائية وكلامه الكاذب حول الموضوع وصرخة "لن نسلمكم أخانا" المخجلة التي أكد بها أنه أبعد الناس عن مفهوم دولة الحق والقانون، وانتبهوا فقط لملامح القتلة حين يذهبون إلى المحكمة. انتبهوا إلى ارتعاشة الأصابع حين يريدون أن يرسموا بها شارة النصر الكاذب وهم يفخرون بارتكاب القتل وهو أسوأ جرائم الكون، وانتبهوا لكل الضجيج الذي أقاموه لمجرد أن القضاء المغربي قال إنه يريد أن يعيد النظر في هاته النازلة بعد أن ظهرت فيها معطيات جديدة. انتبهوا لتجندهم الكامل لئلا يفتح هذا الملف لأن الحكاية لا تقف عند آيت الجيد وحده
الحكاية لها علاقة بهذا التيار السياسي المتخفي في الدين والذي يعتقد أنه يحق له أن يقتل مخالفيه. الحكاية تمتد منذ أنشأ حسن البنا جهازه السري للقتل يوم أسس التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، إلى لحظة قصف الدواعش اليوم في سوريا ولحظة فرارهم في انتظار لم شملهم الإرهابي من جديد
الذين يعرفون قليلا تاريخ المغرب يعرفون أن آيت الجيد مجرد رقم إضافي في لائحة ضحايا هذه التنظيمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها، والذين مروا من تاريخ البلد، وعاشوه وعايشوه ولم يسمعوا عنه فقط في المحكيات الكاذبة يعرفون أن الجامعة المغربية مرت نهاية ثمانينيات القرن الماضي وبداية تسعينياته من مجازر فعلية ومن محاكمات صورية، ومن اقتحامات بالجملة لمنازل أعداء هذا التيار وخصومه، ومن لحظات تمثيلية للذبح تشبه مايقع لدى الدواعش تماما وماوقع في واد أمليل للسائحتين الأجنبيتين منذ أسابيع وما يقع في كل أماكن الظلام المتعش على ظهر القراءة الكاذبة لديننا الحنيف.
من يعرفون هذه التفاصيل، ومن عاشوها يعرفون أن سبب غضب القوم من إعادة فتح هذا الملف خوفهم من أن يجر ملف ملفات أخرى وأن تتضح للناس الصورة الحقيقية، وأن يعضد هاته الصورة حكم قضائي يعيد لمن قتلوا بعضا من حياة ويطمئن عائلاتهم على مصيرهم الآن بعد الرحيل، ويقنع المغاربة أن القتل لايمكن أن يدخل في إطار الحسابات السياسوية الصغيرة التي تقوم على منطق "إغفروا لي هاته وبالمقابل سأعطيكم الأخرى".
لا. بكل بساطة لأن الأمر يتعلق بأرواح وهبها الخالق وهو وحده يمتلك حق نزعها متى شاء، ولا بكل بساطة، لأن من أسس مجده السياسي على القتل، على نزع الروح، على ممارسة الجريمة لايمكنك أن تطمئن له ولا أن تسلمه بلدك وأن تقتنع أنه تاب فعلا وتغير إلا بعد أن يثبت هاته التوبة فعلا
وباب هاته التوبة مفتوح، وأولى خطوات الدخول إليه وعبره هي الاعتراف بسلطة القانون علينا جميعا والقبول بكلمة القضاء وعدم التمرد على المشترك قانونيا بين الناس
أولى الخطوات التعبير صراحة عن احترام استقلالية القضاء في البلد وانتظار انتهائه من إعادة فتح هذا الملف والتسليم ختاما لقضاتنا أنهم حكموا بضمائرهم وبما توفر لهم من أدلة قديمة وجديدة، وبما يفرضه عليهم الحق والقانون
ماذا وإلا فإننا سنظل في الطور ذاته من الشك والريبة. نرمق الأجساد وقد كبرت وشاخت وفعل فيها الزمن أفاعيله، لكننا نتذكر لها الماضي الأليم، يوم كانت قادرة على القتل بكل سهولة. ثم نتأمل صورة الشهيد وصورة بقية الشهداء ونقول لأنفسنا إنه من العيب ومن العار ومن الحرام الذي لا حرام بعده أن يضيع هؤلاء وأن يوضعوا تحت التراب وأن يبقى من قتلوهم قادرين على الحياة وعلى العيش وعلى الاستمتاع بكل لحظة من لحظات وقتهم بكل وقاحة ودون أي ذرة حياء