الإعدام عقوبة قاسية ولا تترك مجالا للتراجع. بعد تنفيذ الإعدام يصبح النقاش حول هامش الخطأ مجرد لغو الكلام. والخطأ وارد في كل الأحكام. ويصبح الإعدام أكثر خطورة عندما تكون البلاد في حالة توتر مثلما يحدث في مصر. في الظروف الملتبسة يصعب كثيرا التمييز بين الحق والباطل. وفي مصر المعادلة صعبة: جماعة الإخوان هي تجمع للحماقات ودولة غير قادرة على الاشتغال خارج منطق الاعتقال والإعدام. مهما تكن الظروف يبقى الإعدام حكما غير قابل للمراجعة حتى لو ظهرت اختلالات مسارات الحكم. والأسوأ أن تكون القضية طرية جدا.
وما علينا سوى أن نقول إن أهل مصر أدرى بشعابها. لكن هذه مناسبة لمساءلة "الإخوان" في المغرب. كلهم دون استثناء. كلهم أدانوا الاعدامات التي تم تنفيذها في مصر في الآونة الأخيرة. وهي مدانة من باب كونها إعدام. لكن الغريب أن هذه الفئة من الناس تقف سدا منيعا أمام إلغاء عقوبة الإعدام. وتزيد الأمر لبسا عندما تعتبره حكما شرعيا. وأكثر من ذلك عندما تعتبر المرجعية الإسلامية من عند الله، كما تفضل بذلك سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة والأمين العام للعدالة والتنمية.
تخلط هذه الجماعات بين الإعدام وبعض العقوبات التي كانت في العصور الماضية، والتي لا يمكن اعتمادها اليوم مع التحولات التي عرفها الذوق البشري ولا يمكن للذوق الإسلامي أن يكون خارجا عن ذلك، ناهيك عن كون تلك العقوبات في سالف الزمان كانت هي الأدنى مما هو موجود كونيا، بل كانت تحتاج إلى اعتراف من المتهم نفسه وإقرار منه تطهيرا لنفسه.
هذا الخلط العجيب لدى الإسلاميين دليل آخر على أن هذه الحركات ليس لها نصيب وافر من العلم الشرعي إن لم نجزم بأن بضاعتهم في المجال مزجاة.
معارضة الإسلاميين لإلغاء عقوبة الإعدام ناتج عن فهم متوهم ومعرفة بليدة بالعصر النبوي.
اليوم يتباكون على من تم إعدامهم بمصر. لو لم يكن هناك حكم للإعدام في القانون المصري لتم الحكم عليهم بأقصى العقوبات وحينها ستكون المؤبد. بمعنى تبقى هناك فرص كثيرة لمراجعة أي خطأ.
ما معنى أن ترفض إلغاء عقوبة الإعدام في بلد متوقف أصلا عن تنفيذها منذ زمن بعيد وتندد بتطبيق هذه العقوبة في بلد آخر. لن تفيد الاستشكالات التي سيطرحونها هنا والمتعلقة بكون القضاء في مصر غير مستقل ويتلقى التعليمات؟
لا يمكن أن تحدد موقفا من الإعدام دون أن تحدد رؤية وموقفا حول عقوبة الإعدام. وستكون أبلد خلق الله في فهم النصوص والشريعة إن لم تؤمن بالعقوبات البديلة الواردة في القرآن. ولهذا يبقى موقف الإسلاميين هنا موقف انتقائي لأن الشباب الذين تم إعدامهم من جماعة الإخوان. وهو موقف انتقائي لأن لديهم خصومة مع نظام السيسي وإلا فإن خروقات كثيرة ترتكبها دول تعطف على الجماعة لا يتم ذكرها وليس أقلها آلاف المعتقلين بتركيا فيما يسمى مؤامرة الانقلاب، حيث لو اجتمع كل هذا العدد لقاد ثورة بدل انقلاب.