المختار لغزيوي
منذ يوم الخميس، وحتى الأحد، يجمع بابا الفاتيكان كبار مسؤولي الكنيسة في العالم، لوضعهم امام مسؤولياتهم في مواجهة فضائح التعديات الجنسية على القاصرين.
و يلتقي رؤساء حوالى مائة مؤتمر اسقفي من كل القارات، مع كبار أساقفة الفاتيكان ورؤساء الكنائس الكاثوليكية الشرقية ومسؤولي جمعيات دينية، لأجل الرد على موجة الفضائح الجنسية التي تجتاح الكنيسة بعد انكشاف أمر أكثر من اعتداء جنسي قام به مسؤولون كبار في الكنيسة، في حق أطفال في فترات متعددة ومتباعدة لكن مستمرة.
وقبل ان يتوجهوا الى روما، طلب منهم البابا فرنسيس ان يلتقوا ضحايا تجاوزات جنسية في بلدانهم. ودعي بعض الضحايا ايضا الى الفاتيكان.
موقف الكنيسة الكاثوليكية موقف شجاع للغاية من موضوع محرج للغاية. هو موضوع التقاء الجنس بالدين، خصوصا بالنسبة لمؤسسة تحرم على المنتسبين إليها من الرهبان أن يرتبطوا بزيجة أو علاقة جنسية، مايجعل اليوم النقاش يسير داخل الكنيسة نحو القيام بإصلاح ثوري بموجبه سيصبح ممكنا في الأعوام المقبلة للرهبان أن يتزوجوا في محاولة من المؤسسة الدينية المسيحية إصلاح مايمكن إصلاحه في هذا المجال الخاص جدا من نوعه.
رد الكنيسة الواقعي على هاته الفضائح، يذكرنا بحالة النفي التي تتلفع بها الأحزاب الدينية في الوطن العربي والإسلامي، حين يندلع خبر فضيحة جنسية تهم مريدا أو قائدا أو شيخا أو زعيما أو صحافيا تابعا لهاته التنظيمات، حيث يتم تطبيق ذلك المثل المغربي الشهير الذي لم يحل في يوم من الأيام أي مشكلة، وهو مثل "سبق الميم ترتاح".
حالة نفي لاتصمد أمام الوقائع التي عشناها نحن في المغرب على امتداد السنوات الأخيرة، والتي كانت تضطر المنتمين لهاته التنظيمات التي تدعي "الطهرانية الأخلاقية »، وتتهم خصومها ب »الانحلال الأخلاقي » في المقابل، إلى النفي وإلى اتهام الجهات المجهولة المختلفة بأنها تدبر لقاءات الفراش هاته !!! مع أن الأمر إنساني وعادي وبسيط، وكان ممكنا كل مرة انفضح أمر واحد من هؤلاء رجلا كان أم امرأة أن يقال بأنها "الطبيعية الإنسانية العادية والغريزة التي خلقها فينا رب العزة، وأنه من الممكن البحث للموضوع عن حل يقترب أكثر من هاته الطبيعة الإنسانية عوض تصوير الناس على شكل ملائكة لا تخطئ رغم أن الكل يتابع خطأها ويعرف أنها وقعت فيه".
شجاعة المراجعة التي توفرت للكنيسة المسيحية منذ قرون عديدة في مواضيع كثيرة، والتي جعلتها تفهم أن الدين هو لله وأن الأوطان وتدبيرها هي للجميع، وجعل أغلب الدول الكاثوليكية تقرر أن زواج الدين بالسياسة لن يكون إلا مدمرا هي شجاعة على الفقهاء المسلمين أن يأخذوا منها دروسا كثيرة. وشجاعة الكنيسة هاته المرة في مواجهة هاته الفضائح الجنسية - رغم تحفظ الطرف الأكثر محافظة داخلها على الموضوع - هي شجاعة وجب على التنظيمات السياسية المتخفية في الدين في وطنينا العربي والإسلامي أن تأخذها بعين الاعتبار والتقليد، وأن تفهم أن نفي الواقع لايلغيه ولا يصلح مشاكله، ولا يغير من نظرة الناس إليه
الجلوس أرضا، والاعتراف بالواقع الذي لا يرتفع، والبحث له عن حلول إنسانية أقرب إلى طبيعة الإنسان هو السبيل الأمثل والأفضل للتخلص من كل المشاكل التي تعتري هذا الواقع والتي تضع هاته التنظيمات دوما في موقف تناقض مزعج للغاية، ومخجل للغاية.
في قرآننا لا إشكال لدينا، فرب العزة نهى عن قول شيء وفعل شيء آخر مغاير، بل توعد من يقومون بذلك بالدرك الأسفل من النار، ووصفهم بالمنافقين وخصص لهم سورة كاملة في محكم التنزيل العزيز، مايعني أننا ديننا لا مشكل لدينا في هذا الموضوع
المشكل كل المشكل هو مع اللاعبين بالدين علي كل الحبال، المتاجرين بآياته لكي يشتروا ثمنا قليلا، الداخلين به إلى البرلمان والحكومات ومختلف المناصب الدنيوية التافهة، والذين حين "يحصل بهم حمار الشيخ في العقبة" يسارعون إلى اعتناق الأساطير واختلاق الأكاذيب و »تخراج العينين » فينا جميعا، واتهام من نعرفهم ومن لا نعرفهم، أنهم السبب وراء إثارة غرائزهم المرة بعد الأخرى، وإخراجهم عن الطريق القويم
تراهم يستطيعون في يوم من الأيام التحلي بشجاعة تشبه شجاعة نظرائهم المسيحيين لكي يعترفوا بالفضائح التي وقعوا فيها ولكي يعلنوا بحثهم عن طريقة ما لمراجعة الأمر؟
لننتظر وسنرى وإن كانت تجاربنا السابقة معهم منذ قديم السنوات تقول لنا إن الاعتراف بالذنب هو أكثر هوايات الأرض ابتعادا عن هؤلاء مقابل تفضيلهم اعتناق نظريات المؤامرات وإلصاق كل نزواتهم بعفاريت وتماسيح تتبرأ منهم يوميا وتقول إنها لن تستطيع - وإن أرادت ذلك - أن تقوم بعشر مايقوم به هؤلاء العفاريت الحقيقيون…
ملحوظة على الملحوظة
(لاعلاقة لها دائما بماسبق)