ما الجدوى من أن يكون سليمان الريسوني متفائلا بينما المتهم توفيق بوعشرين مصاب بخيبة أمل كبيرة، بعدما أيقن بأن توصيات فريق العمل الأممي هي ذات طبيعة استشارية وليست ملزمة، وأن ولاية الفريق تقتصر على إصدار أراء وليست قرارات آمرة للدول، التي تبقى سيادتها هي الفيصل الأول والوحيد في القضايا التي تقع داخل حدودها الوطنية.
ما القيمة المضافة التي يحققها تفاؤل محيط توفيق بوعشرين بيد أن المتهم أصبح يدرك جيدا بأن القرار الاستشاري أسّس خلاصاته على شكليات الاعتقال، وليس على جوهر القضية وعناصرها التأسيسية المادية والمعنوية، والتي هي جرائم الاتجار بالبشر والاغتصاب المتعدد وهتك العرض والتحرش الجنسي.
ولعلّ ما يثير الانتباه في هذا الصدد، هو أن “نظرية ولد زروال”، حسب المنظرين لها، باتت وصفا يطلق على كل من يصدح برأي مخالف، مثلما هي عبارات ” المخزني” و” العياشة وغيرها، وينسى هؤلاء المنظرين بأن أكبر من تفنّن في “نظرية ولد زروال” هو المحامي البريطاني رودني ديكسون، صاحب “أوهام التفاؤل”، والذي قدّم المحامي زيان في مراسلاته لفريق العمل الأممي على أنه نقيب لهيئة المحامين بالرباط، مسقطا عمدا عبارة نقيب سابق، وتحدث عنه على أنه رجل قانون يحاجج بالقرائن والأدلة، متناسيا أنه رجل سياسة وأمين عام لحزب كان يستهدف أمناء أحزاب آخرين من خلال دعوى بوعشرين! أليس هذا تحريف للحرائق وإمعان في “زرولة محاكمة قضائية”؟
والذي يدعي في بلاغه المنشور في 6 أبريل 2018 أن مقر جريدة أخبار اليوم داهمها أكثر من أربعين شرطيا من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، تم يعود في مراسلته لفريق العمل الأممي ويختصر الرقم في 20 فقط! أليس هذا هو أكبر زروال تعرفه الساحة الإعلامية ببلادنا؟ وأكثر من ذلك، فالذي يقفز عن الواقع المغربي ويدّعي أن المحاكمات جرت ليلا واستمرت حتى الفجر، دون أن يحدد خصوصية السياق الزمني المتمثل في شهر رمضان، ومستغلا جهل أعضاء فريق العمل بهذه المعطيات ذات الطابع الديني، في محاولة لتقديم المحاكمة على أنها تجري في جنح الظلام! أليس هذا هو ولد زروال في صيغته البريطانية؟
إن الذي يكذب على فريق أممي، عن جهل بالقانون المغربي أو عن عمد، لا ينبغي أن يكون مصدر تفاؤل، لأن النظام القضائي ومدونات الإجراءات المسطرية وقوانين المرافعات تختلف من نظام لآخر، وتتباين بين الدول التي تعتمد المسطرة التفتيشية والأخرى التي تتبنى المسطرة الاتهامية. فالزعم القائل بانعدام السند القضائي للاعتقال هو كذب وجهل عميق بالقانون المغربي، لأن النيابة العامة هي جزء من السلطة القضائية، وقراراتها القاضية بالاعتقال هي بمثابة سندات قضائية.
ولمن يقول عكس ذلك، عليه أن يراجع الفصل 110 من الدستور المغربي الذي يعتبر صراحة ممثلي النيابة العامة (قضاة) بدليل ما تم التنصيص عليه في الفقرة الثانية ” يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون…”، وهو نفس التوجه الذي سار عليه النظام الأساسي للقضاة، الذي نص في مادته الثالثة على ما يلي ” يتألف السلك القضائي بالمملكة من هيئة واحدة، تشمل قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة…”. (فهل الديب حرام ومرقتو حلال) كما يقول المثل المغربي الدارج؟
إن المتفائلين من الرأي الاستشاري الصادر عن فريق العمل الأممي حول الاعتقال التعسفي، عليهم أن لا يوغلوا في التفاؤل، وأن لا يدفعوا ببراءة المتهم، لأن هذا الرأي هو ذي طبيعة استشارية، ويقتصر على الشكل وليس الجوهر، وهناك سوابق دولية كثيرة على تجاهل مثل هذه الآراء الدولية. فالآليات الخاصة للأمم المتحدة، مثلما هو الحال بالنسبة “لفريق التفاؤل”، لا يمكنها أن تلغي اتفاقيات ومعاهدات دولية أخرى مثل تجريم الاتجار بالبشر والجريمة المنظمة، كما لا يمكنها أن تلغي مبادئ راسخة مثل عدم الإفلات من العقاب.
وأخيرا، لابد من التذكير بأن أكبر المتفائلين في قضية توفيق بوعشرين، وأكبر المهللين لرأي فريق العمل الأممي حول الاعتقال التعسفي، تحلّى بالموضوعية وبالإحساس الصحيح بالواقع عندما راهن، بنوع من الاستجداء، في آخر فقرة من افتتاحيته على “المرحلة الاستئنافية في محاكمة توفيق بوعشرين”! فهو يعرف جيدا بأن القضاء المغربي والسيادة الوطنية هي الفيصل والمحدد في قضايا الإجرام والجريمة، بما فيها قضية توفيق بوعشرين. أما ما دون ذلك فهو فقط ضرب من ” زرواليات المتفائلين”.
برلمان كوم