تنتقد معاش ابن كيران، وبعد أن تنهار كل دفوعاتهم السياسية والشكلية، يقال لك إنك ضد الملك الذي أمر له بالمعاش.
ترفض ازدواجية الدعوة والسياسة عند أمينة ماء العينين، فيقال إنك مسخر من خصومها لاغتيالها سياسيا.
لا تتضامن مع صحفي متابع في قضية الاتجار بالبشر وتحترم أن الملف مازال بين يدي القضاء، فيقال لك إنك تعمل لصالح جهات معلومة.
ترفض أن تشعل العدل والإحسان النار في البلاد، أو أن تحول دورا سكنية إلى بناء مسجدي غير قانوني، فيرمونك بالاصطفاف مع الكفار والمخزن في مواجهة المؤمنين.
لا تعجبك خديجة الرياضي منذ سنوات خلت، ومنذ أن فتحت عينيك في اليسار، قبل أن تصبح مشهورة أمميا وفايسبوكيا، فيقولون عنك إنك ضد الحركة الحقوقية المناضلة وحقوق المرأة.
تعرف ومنذ سنوات أنك لا تطيق حزب «النهج الديمقراطي»، ومنذ أن شاهدت عبثه بالجامعة والحركة الطلابية، ومازال يحلم بدولة البروليتياريا، فيقال لك أنت يساري باع نفسه للمخزن.
لا تعتقد أن المعطي منجب مؤرخ، ولا شيء في كلامه يدفعك للاعتقاد أنك في حضرة محلل سياسي، بل أمام مستسهل للكلام في كل شيء عليه توضيح الكثير من اللبس المحيط بالمال المشبوه، فيخندقونك في صف الاستبداد، الذي يلاحق المناضلين بقضاء سنوات الرصاص.
لا تجد في «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» غير الكثير من السياسة وقليل من الممارسة الحقوقية الخالصة، فيتهمونك بتبييض وجه الاستبداد الحقوقي.
ترفض أن ترى في بلادك كل شيء أسود، وتؤمن بأنه من الممكن تحقيق الأفضل، فتتسلح بالأمل والقدرة عليه وأنت تسخر من المبشرين بسقوط النظام واشتعال البلاد، فيقال لك أنت من صحافة العام زين.
تترفع عن نشر «التقارير الحقوية الدولية» المسيئة لبلدك، وتنتقد عدم مهنيتها وانحيازها المفضوح، فيقال لك إن عياش حقوقي.
تلتقط إشارات المبادرات الملكية فتحاول إبرازها وسط ضجيج العدمية والشعبوية، فتجد نفسك من جديد عياشا يبحث عن الامتيازات.
تدافع عن حيادية مجلس المنافسة وضرورة توقير القضاء والمجلس الأعلى للحسابات، وترفض التهجم العشوائي على مؤسسات الدولة كي لا تنهار الدولة، فيقال لك أنت بيدق بيد الدولة.
تكتب أن ابن كيران صار محرجا لحزبه ومضرا بنفسه والمتعاطفين معه، فتتهم بالتستر على عزيز أخنوش وعدم الكتابة عنه، وأنت تعرف أن ليس في الرجل من فضائح أو صنع للأحداث تجعله يستحق أن يكون موضوع قلمك.
تقرر أن تختار الأخبار بعناية، وأن تدقق في صحتها وجدية مصادرها، لا تمارس الإغراء المجاني ولا تتحايل على القارئ، تمارس الصحافة فقط دون شعارات نضالية ودون أن تكون لاجئا سياسيا فيها بل صحفيا مهنيا محترفا، فتصنف على أنك صحفي مخزني.
لا تعود أبدا إلى الكتابة عن إدريس لشكر في وقت يريد أن يفترسه الجميع، فيستنتجون أنك أبرمت صفقة صمت مع رجل لم يعد يصنع لا حدثا ولا يحرك جماهيرا، أو حتى ينتج مفاهيم مبدعة كـ«الوافد الجديد» و«المنهجية الديمقراطية».
تقول إن فصل الربيع جميل هذا العام، فيتهمونك بالتآمر مع الخريف خدمة لأجندة فصل الشتاء وتحضيرا لانقلاب الصيف.
تختار أن تلتزم الصمت وسط كل هذا الضجيج فتكتشف أنك صرت في أعينهم جبانا.
ما الذي يقترحونه عليك إذا كي تكون مناضلا مثلهم وتنال مثلهم أيضا شرف الانتساب للديمقراطية؟
الوصفة ليست معقدة كثيرا:
قليل من القاموس، الذي يجمع بين الإمبريالية والإقطاع والفيودالية والمخزن والحراك والنيوتوتاليتارية.
كلام عام في الملكية البرلمانية دون أن تكون قد قرأت الدستور يوما أو قلبت فصوله التقنية.
ألا تكتب إلا عن أخطاء الملك وانتقاد خطبه.
ألا ترى في الوطن إلا أرضا يجب أن تحرقها.
أن تحب النهج الديمقراطي وحديقته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وأن تتخشع في حضرة العدل والإحسان.
ألا تلتقي أبدا بالدولة في تحليل ما، أو موقف معين، ولو بشكل موضوعي، لأنها في نهاية المطاف لعنة ستجعلك كلبا أجرب.
أن ترتدي نظارات سوداء وترى كل شيء مائلا إلى الانهيار والاشتعال.
أن ترى في كل أحكام القضاء سياسة وقمعا.
أن تقف في صف كل متابع في قضايا الحق العام وتعتبرها تصفية حسابات سياسية.
يجب أن تقترف كل هذه الحماقات باسم الصحافة وحرية التخريب، وحينها فقط يمكنك أن تحصل على صكوك الغفران من دكاكين وتجار النضال الديمقراطي المفترى عليه.
يونس دافقير