قطاع الصحة في المغرب.. هل تبخل الدولة على رعاياها بتوفير الخدمة الصحية الأزمات التي رسخها دستور 2011
سيستفيد قطاع الصحة من ميزانية تتجاوز 16.3 مليار درهم بزيادة قدرها 1.6 مليار درهم وتخصيص 4000 منصب شغل، ورفع ميزانية نظام المساعدة الطبية “راميد” إلى 1.6 مليار درهم (بزيادة 300 مليون درهم )، بالإضافة إلى تخصيص 600 مليون درهم لدعم ما يناهز 90 ألف أرملة وأزيد من 155 ألف يتيم، فضلا عن رصد 150 مليون درهم لمشاريع الأشخاص في وضعية إعاقة.
يتوفر المغرب على 141 مستشفى وطبيب واحد لـ1630 نسمة
وصل عدد المستشفيات بالمغرب مع نهاية سنة 2018 إلى 141 مستشفى من ضمنها 39 مستشفى متخصص و102 مستشفى عام، بطاقة استيعابية تصل 27 ألف و326 سرير، بمعدل سرير واحد لكل 912 نسمة .
ويبلغ عدد المستشفيات المعبئة لاستقبال الحالات الاستعجالية، حسب تقارير وزارة الصحة بمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2019، والتي تتوفر على مصلحة للمستعجلات الطبية 118 مؤسسة، إلا ان أربعة أقاليم حسب الوزارة لا تتوفر على مستشفى، ونسبة مهمة من الساكنة ليس باستطاعتها الولوج إلى المستشفيات وبالتالي إلى الخدمات الصحية.
هذا ووصل عدد المصحات الخاصة سنة 2018 إلى 291 وحدة بطاقة إيوائية تناهز 6504 سرير، وعيادات القطاع الخاص للاستشارات الطبية والتشخيص السريري، فقد وصل عددها إلى 6652 وحدة يوجد 52%، من العيادات توجد بالمدن الكبرى منفردة بـ 48 بالمائة من مجموع الطاقة الإيوائية للعيادات.
وعلى صعيد آخر لازال معدل وفيات الأطفال في الوسط القروي مرتفعا، خاصة معدل وفيات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنة واحدة، والأطفال دون سن الخامسة،
أعلن وزير الصحة، أنس الدكالي أن معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة سجل انخفاضا بـ27 في المائة ما بين 2011 و2018، إذ انتقل من 30,5 إلى 22,16 حالة وفاة لكل 1000 مولود حي.
وأوضح السيد الدكالي، خلال مداخلته بمناسبة تقديم النتائج الأولية للمسح الوطني حول السكان وصحة الأسرة لسنة 20172018، أن معدل وفيات الأطفال انتقل من 28,8 إلى 18,0 حالة وفاة لكل 1000 مولود حي، أي بانخفاض نسبته 38 في المائة، مضيفا أن معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة بلغ معدل 13,56 لكل 1000 مولود حي.
وأضاف السيد الدكالي أن نتائج المسح أظهرت انخفاضا كبيرا في نسبة وفيات الأمهات، إذ انتقلت من 112 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية خلال فترة 20092001، إلى 72,6 في فترة 2015 2016، أي بنسبة انخفاض تقدر ب 35 في المائة.
وعزا وزير الصحة هذا الانخفاض المهم في مستوى وفيات الأمهات، على وجه الخصوص، إلى تحسن نسبة تتبع الحمل، وارتفاع نسبة الولادات تحت إشراف أطر طبية مؤهلة بالإضافة إلى تحسن جودة الخدمات، مسجلا أن نسبة النساء اللواتي استفدن من الرعاية أثناء الحمل ارتفعت ب 11 نقطة في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2018 لتصل إلى 88,4 في المائة،في حين انتقلت نسبة الولادات تحت إشراف طاقم مؤهل من 74 في المائة سنة 2011 إلى 86,6 في المائة في 2018، أي بنسبة تحسن تقدر ب 13 في المائة.
أما مؤشر الخصوبة، يضيف الوزير، فقد عرف انخفاضا بين 2011 و2018، إذ انتقل من 2,59 إلى 2,38 طفل لكل امرأة.
من جهة أخرى، أشار السيد الدكالي أن نسبة الأشخاص المصابين بمرض مزمن واحد على الأقل بلغ 21 في المائة خلال 2018، مقابل 18,2 في المائة في 2011، كما بلغت نسبة الأشخاص المصابين بمرض السكري 4,8 في المائة في 2018، مقابل 3,3 في المائة في 2011. وبالنسبة لمعدل الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم، انتقلت من 5,4 في المائة في 2011 إلى 6,8 في المائة في 2018.
وأبرز السيد الدكالي خصوصية هذه الدراسة، التي اهتمت، على خلاف سابقاتها، بصحة الأشخاص البالغين 60 سنة فما فوق، مسجلا أن المغرب يعيش تحولا ديموغرافيا يتسم بارتفاع نسبة الأشخاص المسنين، التي تمثل 11 في المائة من الساكنة ويرتقب أن ترتفع لتبلغ ربع الساكنة في أفق 2050.
وكشف البحث أن 19,2 في المائة من الأشخاص البالغين 60 سنة فما فوق مازالوا نشطين، و64 في المائة يعانون من مرض مزمن واحد على الأقل، و20 في المائة من ارتفاع ضغط الدم، و6,2 في المائة يعيشون فرادى، و 15 في المائة يعيشون في ظروف سكنية غير لائقة، و10,6 في المائة قالوا إنهم تعرضو لاعتداء خلال السنة السابقة.
وقال السيد الدكالي أن هذه النتائج الأولية تبرهن على التقدم الذي أحرزه النظام الصحي وستمكن من تقييم أثر السياسات المعمول بها وذلك لضمان تخطيط أفضل للإجراءات المستقبلية واتخاذ قرارت مناسبة. وتتزامن هذه النتائج مع تحضير الرؤية الجديدة لقطاع الصحة في أفق 2025.
وأضاف أن الدراسة تمكن، علاوة عن ذلك، من تحديث المعطيات الصحية والديمغرافية والسوسيو اقتصادية للساكنة المغربية، بهدف تقييم تطور بعض المؤشرات المرتبطة ببلوغ أهداف التنمية المستدامة.
واعتبر الوزير أن التحديات المرتبطة بالانتقالين الديمغرافي والوبائي تفرض تغيير السياسة الصحية، خاصة في ما يتعلق بعرض العلاجات المتلائمة، التي تركز على تعزيز مبادرات الوقاية وتشجيع أنماط العيش الصحية وتطوير الخدمات الخاصة، مؤكدا أن إنجاز هذه المبادرات لا يمكن أن يتم إلا في إطار مقاربة متعددة القطاعات والتوافق بين السياسات العمومية، من خلال توفير الوسائل البشرية والمالية والتقنية الضرورية.
يذكر أن الوزراة أنجزت المسح الوطني السادس حول السكان وصحة الأسرة بتنسيق مع المندوبية السامية للتخطيط وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والوكالة الوطنية للتأمين الصحي وجامعة الدول العربية.
واستهدفت المرحلة الأولى من إنجاز المسح جمع البيانات حول وفيات الأمهات من خلال عينة تمثيلية حجمها 121 ألف و725 أسرة، موزعة على جميع جهات المملكة في الوسطين القروي والحضري، فيما ركزت المرحلة الثانية على جمع البيانات باستخدام استبيانات خاصة، من عينة تمثيلية شملت 15 ألف و300 أسرة موزعة على جميع التراب الوطني.
لعل مسألة التغطية الصحية في المغرب تطرح تساؤلات لا تنتهي، ذلك أن هذا الميدان لم يرقى بعد إلى مستوى التوقعات والتطلعات. ورغم الإصلاحات التي تلوح بين الفينة والأخرى، إلا أنه لا يزال هذا القطاع يعاني من عدة مشاكل مرتبطة بالتدبير والتسيير والتمويل؛ كل ذلك يؤكد على أن السياسة الصحية في المغرب تعيش أزمة متعددة الأبعاد، مما يستدعي أن نولي كامل اهتمامنا لهذا المجال. إذ يمكن أن نرتقي اجتماعيا وصحيا من خلال وضع الصحة ضمن الأولويات، وهكذا يمكن أن نساير الدول المتقدمة والتي يحتل فيها مجال الصحة الصدارة، ذلك أن إهمال الصحة سيؤدي إلى مشاكل أخرى أعمق، ولهذا لابد من إعادة النظر في مسألة الصحة في المغرب، ومن ثم تشخيص هذه الأزمة، ثم البحث عن حلول ناجعة من شأنها أن تجعل المغرب ضمن مصاف الدول ذات التنمية الاجتماعية المتقدمة.
يبدو بأن طبيعة الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية التي يقدمها المغرب للمواطنين لا تساير ما كان يجب أن يكون، وما يفرضه هذا الواقع المتأزم صحيا واجتماعيا، إذ تبلغ نسبة المستفيدين من التغطية الصحية حوالي أربعين في المائة، وهذا الرقم يؤكد بدوره مدى تأخر المغرب في تعميم التغطية الصحية، ومن خلال الواقع يبدو بأن المشاريع والمخططات التي تهم الشأن الصحي لم تعطي نتائج ملموسة، وبذلك تظل المسألة الصحية بين قوسين في ظل ظروف تفرض بالضرورة فتح هذين القوسين للوقوف على هذه الأزمة.
نلاحظ أن جل التدابير التي تهم الشأن الصحي في المغرب تظل سارية على المستوى النظري دون أن نلمس نتائج عملية من شأنها أن تؤكد لنا أن قضية الصحة بدأت تؤخد بعين الاعتبار، ومع الأسف كل المشاريع والمخططات سرعان ما تتعرض للفشل، وهذا يدل على فشل في التخطيط منذ البداية، وكل المخططات لم تؤت أكلها بعد، وكمثال على ذلك أصبحت بطاقة راميد بدون رصيد، حيث تجاوز عدد المستفيدين منها عدد المستهدفين. وهناك إشكالات أخرى مرتبطة بالمستفيدين من التغطية الصحية؛ حيث نجد أن العمال غير المأجورين والأطباء والمحامون والتجار لا يستفيدون من خدمات التغطية الصحية، وتلوح في الأفق عديد الإشكالات المرتبطة بتعميم التغطية الصحية، وذلك عن طريق السير على نهج الدول المتقدمة في هذا الميدان، وقد يكون ذلك كفيلا بالخروج من هذه الأزمة.
يحتل المغرب مراتب متأخرة في معدلات التغطية الصحية حسب منظمة الصحة العالمية، وهذا التصنيف يؤكد بالإضافة إلى ما سبق أن هذا المجال لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب، أو بالأحرى لم نشهد بعد حلولا ناجعة لهذه الأزمة، وإذا قارنا المغرب بالدول المجاورة كتونس والجزائر، فهاتين الأخيرتين حققتا تقدما ملموسا في هذا الميدان، بينما المغرب لا يزال يتخبط في أزمة غامضة الأسباب، هذه الأزمة تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود، والاستعانة بتجارب الدول المتقدمة، بالإضافة إلى محاولة الاستفادة من تجارب الخبراء في هذا الميدان. وفي هذا الإطار نستحضر مثال التغطية الصحية في بريطانيا.
يعمل جهاز الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا على الاهتمام بكل ما يتعلق بالصحة، وتوفر هذه الخدمة كافة التدابير اللازمة لكل المقيمين في بريطانيا، وهذا يجعل هذا النظام يحتل مراكز متقدمة في هذا المجال، ولعل الإطار التاريخي لهذه الخدمة ابتدأ منذ أربعينيات القرن الماضي بعد التقرير الذي صدره الخبير الاقتصادي بيفريدج في هذا الشأن، والذي ينص على شمولية التغطية الصحية ومجانيتها، وهذا النظام دأبت بريطانيا على العمل عليه منذ سنة 1948، وهو بمثابة نظام للمساعدة، والذي يتمحور حول ثلاث مبادئ أساسية: مبدأ الشمولية ويهدف إلى حماية جميع الناس من المخاطر الاجتماعية، والمبدأ الثاني يتمثل في كونه نظام موحد ويهدف إلى تقديم خدمة موحدة للحد من الكفاف، والمبدأ الأخير هو أن هذا النظام تسيره إدارة عمومية واحدة وهي ما يطلق عليها في بريطانيا National Health Service NHS، أو الخدمة الصحية الوطنية. كل ذلك جعل هذا النظام منظما وقادرا على توفير رعاية صحية للجميع، كما أنه نظام تستمد منه عدة دول نموذجها في التغطية الصحية، ورغم أنه يعيب عليه طول مدة الانتظار إلا أن البريطانيين متشبتون به بناء على طبيعة الخدمات التي يقدمها.
إذا كان الفصل 31 من دستور المغرب لسنة 2011 ينص على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، فإن الواقع لم يرقى بعد إلى مستوى تطلعات هذا الفصل من الدستور، ويبدو بأن إشكالية الصحة في المغرب لم تؤخد بعد بعين الاعتبار من طرف المسؤولين، ويتضح ذلك انطلاقا من كون المخططات التي تهم هذا الشأن سرعان ما تفشل دون نتائج إيجابية تذكر، ولقد تحدث الخبير والمستشار القانوني سعد الطاوجني في هذا الشأن معتبرا أننا تخلفنا كثيرا في هذا المجال، ونحتاج إلى شجاعة سياسية، وإلى قدر كبير من التقنية لدى المسؤولين لمواجهة اللوبيات التي تعرقل التقدم الاجتماعي للمغرب.
بقلم الدكتور يونس العمراني