هو (محمّد مصَدّق) رئيسُ الحكومة في (إيران)؟ وُلِدَ (محمّد هدايات) المعروف باسم (محمَّد مصدَّق) عام (1881) لعائلة ثرية.. درسَ في (طهران) قبْل أن يرحل إلى (أوربّا) لمتابعة تعليمه الجامعي في (العلوم السياسية).. عاد إلى (طهران) عام (1915)، ومارس وظائفَ مهمّة في وزارة المالية.. وعندما حاولتْ (بريطانيا) فرْضَ معاهدة حماية على الحكومة الإيرانية، انضمّ إلى صفوف الوطنيين الذين ندَّدوا بسيطرة القوات الأجنبية على الموارد البترولية في البلاد.. أيّد حركة الجنيرال (رضا شاه) الذي كان ينوي تحديثَ (إيران)، ولكنّه انفصل عنه عندما أسّس (رضا بهْلوي) سُلالةً ملكيةً جديدة.. أُبْعِدَ عن الدّوائر الحاكمة من عام (1925) إلى عام (1941)، ثم عاد نائبًا في البرلمان عام (1944)، حيث عمل على إصدار قانون يمنع أيّةَ امتيازات نفطية جديدة إلى الشركات الأجنبية.. تَزعّم الجبهة الوطنية، وأصبح رئيسًا للوزراء عام (1951)؛ ومنذ ذلك التاريخ، ترافقَ اسمُه مع المقاومة الوطنية ضدّ الاحتكارات النفطية الأجنبية.. اُنظرْ موسوعة (عظماء القرن 20)؛ صفحة: (100)..
وعندما قرّر (محمّد مصدّق) تأميمَ صناعة النفط في (إيران)، لأنّ النفط ثروة الشعب ويجب أن تعود هذه الثروةُ إلى الشعب، لجأ (شاه إيران) بمساعدة وكالة الاستخبارات الأمريكية، وقوات الجيش الموالية له، إلى طرده من رئاسة الحكومة، وأمر بسجنه في (غشت 1953)، وأُطْلقَ سراحُه في عام (1956)، ومن ثمّة ظلّ (مصدَّق) معتكفًا عن الحياة السياسية.. لكن كيف تم إسقاطُ (محمّد مصدّق)؟ كان البغيض (فُوسْتَر دَالاس) هو وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية على عهد الرئيس الـمُحِبّ للكذب على الشعب وأعني به (دوايت أيْزنْهاور)؛ كان أخُ (فوستر دَالاس)، أي (جون دَالاس) هو مدير الوكالة الأمريكية (السّي ــ أي ــ ئي)، وعمِلاَ معًا للإطاحة بـ(محمّد مصدّق)، لأنّه كان شيوعيًا؛ والكلّ يعْلم اليوم، بأنّ (مصدَّق) لم يكُن يومًا شيوعيًا أبدًا.. يشهد موظّفٌ شيخ، كان عميلا للمخابرات في (طهران)، حيث يقول وهو يبتسم في التلفزة: [لم يكنْ (محمّد مصدّق) شيوعيًا؛ لكنه كان عَلْمانيًا فقط].. بهذه التهمة الملفّقة وجدوا المبرّر المناسب للإطاحة بالرجل، حفاظًا على امتيازاتهم النفطية في (إيران)..
ذهب (جون دالاس) إلى (طهران) بحقيبة مملوءة بملايين الدولارات، تمّ توزيعُها على أصحاب البزارات، كي لا يفتحوا محلاّتهم؛ كما تم توظيفُ الإرهابيين من تيارات دينية متطرّفة، لخلْق الفوضى وعدم النظام، وغاصت البلادُ في فتنة مفتعلة تماما كما حدث في (الشيلي) سنة (1972)، وسمِّيَتْ هذه الفوضى (ثورة البازار).. حمّلوا تلكَ الفوضى لـ(مصدَّق)، وتمّ اعتقالُه في منزله، وأُودِع السجنَ، وكان من المقرر أن يُحْكَمَ عليه بالإعدام تنفيذًا لتعليمات (الشاه)؛ ولكن (مصدَّق) أذهل الحاضرين بفصاحته، وحُجَجِه، ودلائله، فاقتنع الشعبُ ببراءته، وقُبَيْل النطق بالحكم في المحكمة، اتّصل (الشاه) هاتفيًا بقضاته، وأمرهم بإلغاء عقوبة الإعدام، وأمر بسجنه في (غشت 1953)، لأنّ الشعبَ اقتنع بأنّ (مصدّق) على حقّ؛ هكذا قال (الشاه) للقضاة عبْر الهاتف.. أُطلق سراح (محمّد مصدّق) في عام (1956)، ووافتْه المنيةُ في بيته عام (1967) تغمّده الله برحمته..