لحسن عدنان
ربما لا تكون رسالة إلى شخصك كما تقدمينه لمن حولك، ولمن صدق يوما أنك تحملين أفكارا ومبادئ وشيئا من الخلق النبيل . وإنما هي رسالة إلى ما يمكن أن يكون تبقى لديك من ضمير . هل كان لديك أصلا ضمير ؟؟.
لقد سقطت آخر ورقة توت كنت تستعملينها للخداع والمداهنة وشراء أصوات من لا يعرفون حقيقتك، وحقيقة الجماعة التي تنطقين باسمها وتدافعين عن خطها وتوالين كبيرها. ذلك الذي علمكم النفاق وحب الظهور والمتاجرة بالدين . لقد كان مفروضا أن يبقى الدين في موقع الحياد، لأنه قيمة روحية مشتركة بين كل المواطنين ، ورصيد ثقافي يمتح منه كل الناس ، ومُقدس يجب أن لا تنزلوا به إلى ساحة السياسة كي تدنسوه وتتقاذفه الأقدام وتتاجروا به مقابل ثمن بخس ورحلات إلى عالم الحداثة ،ذلك العالم الذي تقدمونه “دار حرب” . وها أنتم اليوم في زمن نكبة الشعب، تسافرون إليه بأموال الريع ،حتى تصفو لكم أنتم وحدكم أجواؤه وتُفتح لكم ،لا لغيركم، أبوابه …
لعل من أطلقوا عليك إسم “أمينة” كانوا يُمنون أنفسهم أن تكوني فعلا أمينة وصادقة . وإن عنوان الأمانة ودليل الصدق هو أن تكوني أنت هنا بين الأتباع ..أنت نفسك هناك بين الأغيار. لقد صدمت من تابعوا أخبارك ليس تحاملا أو بحثا عن العورات . فهم أكبر من تتبع أخبار شخص في مستواك ، وأعقل من إضاعة أوقاتهم حول خرقة تنزعينها أو تضعينها فوق رأسك أو حيث تشائين على مساحة جسدك. فأنت تعرفين أن من انتقدوك هم دعاة التحرر و الانعتاق من العبودية ،وهم طليعة المدافعين خاصة عن الحريات الفردية . ولم يتابعوا أخبارك وأخبار كل من افتضحوا لأنكم أهل لأن تُنشر أخباركم وتنكشف أسراركم . فأنتم في نهاية المطاف مجرد عابرين في ،لحظة خطإ قاتلة ،في تاريخ شعب أكبر منكم ، ويستأهل رجالا لهم عقول راجحة،تزينهم الشهامة وترفع رؤوسهم الفضيلة. ولكنكم أبيتم إلا أن تبعثروا أحلام من رأوا في مجيئكم بصيصً أمل، وانتظروا في مَقدمكم شيئا من الرجاء.
إنما تحدث المتحدثون ، وتكلم المتكلمون، وكتب المدونون عنك لأنهم تألموا وخُذلوا وهم يرون أموالهم تنزع نزعا من أفواه الصغار ومن حقوق الأرامل ومن أحلام الشباب وتوضع في جيوب أمثالك باسم القانون. وهم صرخوا من قبل ليقولوا : ” لا لتعدد التعويضات .. ولا لنهب المال العام باسم القانون … ولا لتكديس الملايين في أيدي من لا يستطيعون التحكم في غرائزهم ونزواتهم وفي الجزء “أسفل سافلين” من أجسادهم..” . فالمال الذي يحوزه من لا يبذلون جهدا ، ولا يرعون في أبناء من صوتوا عليهم إلا ولا ذمة، هو مال حرام . والمال الحرام يفعل فعله بحيث يجعل الأم تتخلى عن فلذات كبدها ، ويجعل الصديق يسرق زوجة صديقه،والزوج يتخلى عن رفيقة دربه بعد عقود من صبرها ومعاناتها ، والأرملة تبحث عن عاشق في “مرحلة البياض والعدة”، ومن يسمى الزعيم يقاتل بكل مخالبه، ويدافع بكل عدوانيته، ويتشبث بكل أسنانه. كل ذلك من أجل ملايين الريع، وهو من أصاب كل أبناء الشعب في مقتل بسياسته الفاشلة وشعبويته القاتلة.
إن من يهاجمونك لا يفعلون ذلك من موقع المنافسين السياسيين. ولا من موقع الحاسدين كما يحلو لك ولجماعتك أن تردوا على الأصوات الناقدة، والضمائر الحية ، والأقلام المستنيرة. بل هم أصلا لا يهاجمونك ، وكل الذي فعلوه لحد الآن هو فضحك أمام نفسك أولا ، وأمام الأشهاد ثانيا ، لكي يعرف الناس معدنكم المغشوش، وبناءكم الذي بني على باطل. وقريبا سينهار الهيكل و ينفض الكهنة محملين بالأموال التافهة وبالأوزار الثقيلة .
لقد جثمتم على صدر الشعب، وجيشتم “الذباب الإلكتروني” ، و”الذباب السياسي” ، و”الذباب الملهوط”، و”الذباب القاتل” ، لكي تمتصوا دماء مواطنين حلموا بربيع ديمقراطي تعددي تنويري، فإذا أنتم تنغصون عليهم حياتهم ،وتقبرون أحلامهم . وهذه وحدها جريمة سيدونها التاريخ في سجلاتكم القاتمة وصحفكم الملطخة حد القرف، فكيف وكل هذا تحت يافطة الدين وشعار المبادئ ومحاربة الفساد؟. فهل هناك فساد أكبر من القضاء على التعليم وتأزيم الصحة وتأبيد البطالة وإغراق البلد في الديون دون جدوى ؟. ومع هذا تتلقون أجوركم السمينة وتعويضاتكم الخيالية. ولأنها من دماء وعرق أبناء الشعب المكلوم ، ها هي تنفجر في وجوهكم وتنقلب عليكم وبالا ، ومن بعد ذلك غضب ساطع وحساب عسير .
إننا ننظر لكم من أعلى ، ونتأمل كل هذا العبث وهذا الجشع والصراع على المنافع الزائلة. فنحن الشعب الذي لا يزول ، وأنتم عُبّاد الكراسي التي تصغر في أعيننا حين لا تزيدكم إلا خبالا . ونحن الذين نعض على جراحنا ونحن نرى أرزاقنا تُسرق منا ،ومستقبلنا يتسرب من بين أيدينا ، وأنتم من غرفتم المال العام بلا أخلاق ولا ضمير، حتى أصبحتم بأعيننا مجرد أقزام لا تملأ سم خياط من فراغ. فلو رأينا كبراءكم يتعففون عن مال الشعب لأكبرناكم ، ولو رأينا فيكم نضج الساسة الكبار ، وغيرة المناضلين ، وحكمة المدبرين، لوجدنا لكم آلاف الأعذار ..لكنكم ماضون في “الخسران” ..في الاضمحلال ….وفي الانحدار.
لقد جئتم إلى عالم السياسة شُعثا …مغبرين …معدمين .وما عليكم إلى مراجعة صوركم القديمة لتتيقنوا من ذلك. لكن كبيركم لم يستحي ، فأفتى لكم بأن تحسين “الأحوال” حلال. وهي كلمة السر ألقاها لكم لاستحلال الريع والتعويضات و”اللهطة” وهلم جرا من متع الدنيا وزخرفها .وهذه وحدها فضيحة ما بعدها فضيحة. كيف يجوز الحديث عن تحسين الأحوال بالمال العام بلا خجل ولا وجل في زمن معاناة الشعب وغرقه في كل أصناف الأزمات والعسر والضيق؟ .أم ترونها ضيعتكم المحروسة وأموالكم المكنوسة. وها هي نتائج فتاوى الدجل وانعدام المروءة. لقد أصبحت سيارات الشعب لا تملأ عيونكم ، وأصبحت مساكنكم التي سكنتموها من قبل “كهوفا” تهجرونها ، وأصبحت تسجيلاتكم القديمة أزليات يرويها الرواة ، وأصبحت زوجاتكم ، كما رفاق دروبكم أعباء ثقيلة تخلصتم منهن ب”حجابهن” ومنهم “بلحاهم الجديدة” في أول منعطف …
أبهذا الإسراف والإفساد والعبث ونكث العهود تحاربون الفساد ؟؟
لكن بالمقابل ، أصبحتم مكشوفين …مفضوحين … باهتين …” فبهت الذي كذب ونافق “..
فلئن زرتم عواصم الحداثة …فلستم بحداثيين ..وحديثو النعمة بلا سند من ضمير حي يهدمون ولا يبنون ..
ولئن حسنتم أحوالكم المادية ، فلستم ولن تكونوا أبدا في مصاف أهل الأداء الحسن. ولا حتى من الذين “يُدفعون” (مبنية للمجهول في زمن سياسة المجهول ) بالتي هي أحسن. والقبح لن يصبح يوما حسنا بأموال منهوبة…
وسواء خلعتم “لباس العمل” أو لبستموه ، فقد انكشف منكم كل شيء …لكل مواطن …
إن النفاق سيء ..
وأسوأ منه النفاق باسم الدين ..
وأسوأ منهما الإمعان في النفاق وقلةُ الحياء ..
إنه السقوط …والتردي …
وبعدهما الهاوية …