صفعة لم تكن قط في الحسبان تلك التي تلقاها تنظيم الاخوان المسلمين واللاجئون الاسلاميون عموما في تركيا عندما أظهر لهم اردوغان جانبا من شخصيته الميكيافيلية وسياسته القائمة على تقديم مصالحه السياسية على كل انتماء ايديولوجي ورابطة عقائدية مع التنظيمات الاسلامية العربية.
في أواخر الشهر ماضي أهدى اردوغان الى خصومه المصريين صيدا نفيسا اهتزت له الأوساط الاسلامية في الشرق الاوسط ونشر رعبا في صفوف جماعة الاخوان بعد أن أقدمت الشرطة التركية في مطار اسطمبول على ترحيل الشاب الاخواني محمد عبد الحفيظ الى مصر، وهو احد المحكوم عليهم غيابيا بالإعدام عام 2017 للدور الذي لعبه في اغتيال النائب العام المصري هشام بركات.
عبد الحفيظ وهو عضو في الجماعة قدم الى تركيا من الصومال ليلتحق بالآلاف من أعضاء الجماعة الذين لجأوا الى تركيا بعد عزل محمد مرسي وتولي عبد الفتاح السيسي الذي يصفه اردوغان بالديكتاتور مقاليد الحكم في مصر. وتدعم تركيا العثمانية الاخوان المسلمين بقوة نظرا الى الروابط الايديولوجية والتنظيمية الوثيقة التي تجمع بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وجماعة الاخوان المسلمين. لكن -ولدهشته- فوجأ عبد الحفيظ بالسلطات التركية وهي تقوده مكبل اليدين الى طائرة متوجهة نحو القاهرة حيث من المتوقع أن يلقى مصيرا مظلما.
اردوغان، الذي يصفه المحللون بالثعبان الختّال، اعتاد أن يهز ثقة الجماهير الاسلامية في حقيقة قناعاته وصدق توجهاته الايديولوجية، فقد أفرج عام 2018 بشكل مفاجئ عن القس الامريكي أندرو برانسون رغم ادانته من طرف القضاء التركي بالتجسس والارهاب والتآمر على قلب نظام الحكم، كما أنه كثيرا ما يشن حملاته الدعائية ضد اسرائيل لاستمالة قواعده الاسلامية والظهور في هيئة المدافع الشرس عن القضية الفلسطينية في الوقت الذي تعرف فيه العلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل ازدهارا ملحوظا على المستوى الاقتصادي والمبادلات التجارية.
ترحيل محمد عبد الحفيظ كفيل بأن يحدث بلبلة في أوساط اللاجئين الاسلاميين في تركيا واللذين وفر لهم اردوغان منصة مريحة لمهاجمة خصومهم السياسيين في بلدانهم الأصلية، وأنشأ لهم قنوات لبث الدعاية الاسلامية التي تعمل من أجل إعادة تثوير الشعوب في بلدان ما يعرف بالربيع العربي، في حين يعتبر بعض المراقبين ما حدث بمثابة "قرصة أذن" للاسلاميين الذين يخرجون عن طوع إرادة اردوغان ويتمردون على جماعة الاخوان الموالية لسياساته(البعض يشير إلى أن عبد الحفيظ ينتمي لتنظيم الجهاد) في محاولة من تركيا الى ضبط الصف الاسلامي في إطار حركي موحد، ووأد الانشقاقات والخلافات التي تنخر تنظيم الاخوان وتتمرد على القيادات التاريخية للجماعة، ومن هنا يلاحظ البعض ان تركيا توجه رسالة الى الشباب الاسلامي بوجوب التوحد تحت لواء الاخوان وعدم الخروج عن البيعة العامة للمرشد العام مهما اختلفوا معه.
طه لمخير