بقلم إسماعيل واحي
إن التوتر الديبلوماسي الحاصل بين المملكة المغربية و السعودية هو نتاج لتراكم عدد من الإشكالات المحورية بين البلدين والتي لم يتمكن الطرفان من وضعها على طاولة الحوار وهو ما حال بينهما وبين معالجتها .
لكن مهما بلغ اختلاف مستوى التباين في وجهات النظر فإن المملكة العربية السعودية قد تجاوزت الخطوط الحمراء الضامنة للوحدة العربية وذلك عندما أذنت لآلتها الإعلامية بالتجرؤ على المساس بالسيادة المغربية على كامل ترابها الوطني والذي يعتبر في الأصل امتدادا للعمق العربي و قضية مقدسة لدى جميع المغاربة .
و من جهة أخرى فلا يمكن لأي عاقل متتبع للمشهد السياسي العالمي بأن ينكر على التغيرات البنيوية المتولدة من السياق العالمي المتقلب تسير بوتيرة متسارعة لدرجة أنها لم تعد تفسح المجال أمام الأنظمة العربية من أجل وضع تقييمات واقعية للتحديات المحيطة بها و هو ما يشوش على تكوينها للصورة الحقيقية للمعطى و يعرقل وصولها إلى التوافقات و التكتلات السياسية المنشودة بل إنه عامل يدفعها إلى الاصطدام فيما بينها كما يجب الانتباه إلا أنه لا يمكن لأي توافقات سياسية بأن تنجح بدون تحصن عملية بنائها من أي تشويش أو اختراق ولذلك فهي يجب تبنى داخل إطار مؤسساتي متطور يحتضنها و يضمن ثباتها في أشد العواصف .إطار مبني على نظم قانونية مضبوطة و قواعد مدققة و مواثيق قوية جوهرها بناء المصلحة المشتركة و حفظ الاحترام الواجب للسيادات وتقدير اختلاف الثقافات. و مناقشة جميع الرؤى البناءة و التوجهات الهادفة المطروحة. و يتجلى دور هذه المؤسسات في مساعدة الأنظمة العربية من تجاوز مسببات الاختلاف و الوصول أكبر قدر ممكن الأفكار حول التصورات أو التخوفات أو حتى الاستثناءات للوصول إلى أفق سياسي أكثر نضج و تطور و انفتاح و فاعلية .
و إن مثل هذه التوتر في العلاقات الثنائية بين الأقطار العربية ومهما بلغ مستوى المشاكل الناتجة عنه فإنه يجب أن يؤخد كمادة للفهم و كدرس تستنتج منه الخلاصات و العبر من قبل النظام السعودي بشكل خاص و باقي الأنظمة العربية . و أن يدفعها إلى القيام بعملية تصحيحية لزاويا نظرها و سياساتها المتعلقة بالقضايا العربية المشتركة التي تعتبر المملكة المغربية محورا أساسيا في تدبيرها و بأن تعيد قراءتها لانعكاسات الواقع المتقلب الحالي على جميع الأنظمة العربية الأخرى وليس على داخل دول معينة من دون أخرى. كما أن هذه المبادرة التصحيحية يجب أن تكرس لدى أي نظام عربي يؤمن بأن لا بديل عن تحقيق المشروع الحضاري العربي و بأن المملكة المغربية ليست دولة أسست على أنقاض الاستعمار بل إن جذورها ضاربة في عمق التاريخ و أن لها خصائص استثنائية تتميز بها عن باقي الأقطار العربية لما تقوم به من أدوار ريادية في بناء الصرح العربي الإفريقي و هو ما جلب لها تحديات ضخمة و قوى عالمية و لوبيات اقتصادية و سياسية تحمل أجندات معادية لورش البناء الحضاري المغربي الذي هو في الأصل امتداد للمشروع العربي الممتد من المحيط إلى الخليج و قد تكالبت قوى الشر على منطقة شمال إفريقيا حائلة وراء تحقيق أي إندماج أو تكتل عربي بل إنها تعمل على تقسيمه و الاقتصاص من ترابه و تدمير نسيجه و مكتسباته عبر التغلغل في جسد الدول العربية لشمال إفريقيا إنطلاقا من الأيديولوجيات و العقائد و الانتماءات .
و هي تعمل اليوم على تخريب الاندماج الوطني للبلدان المغاربية و إشعال نيران الفتن و النعرات .كما تعمل على تبخيس و تحجيم مكتسبات الدولة و مجهوداتها و تعرقل الإجراءات الإصلاحية التي تقطعها هذه البلدان من أجل التقدم . تماما كما حصل مع دول سوريا و العراق و اليمن و ليبيا و ما آلت إليه أوضاعها من خراب و دمار كان السبب فيه هو التغلغل الإيراني الروسي داخل هذه الدول و قد نجح في تحويلها إلى جبهات مشتعلة يحاصر بها دول الخليج العربي و الشرق الأوسط من جهة و من جهة أخرى فقد ضمن قواعد عسكرية ضخمة يهدد من خلالها الأمن الأوروبي .
و إن لهذا المشروع إمتدادات توسعية تصل حتى القارة الإفريقية و قد اتخذ من الدولة الجزائرية حاضنة إقليمية لأجندته و نشاطاته التخريبية و هو اليوم يعمل على تحضير منطقة شمال إفريقيا لتصبح جبهة حرب مشتعلة لا تنتهي إلا بحصول تغيير جذري في ملامح المنطقة و مرجعياتها بما يخدم مصالح الأجندة الإيرانية الروسية الحافلة بمفاجئات كبرى هدفها تغيير موازين القوى في المنطقة و فتح باب إفريقيا على مصراعيه أمام الاكتساح الإقتصادي السياسي و العسكري لعمالقة آسيا . كل ذلك على حساب الشعوب العربية و الإفريقية . التي عانت ولا زالت تعاني من حروب خاضتها بلدانها بالوكالة عن الجزائر في صراعها مع المشروع المغربي العربي
فالجزائر انخرطت و منذ عقود في خدمة الأجندة التخريبية الكبيرة الموضوعة لمنطقة شمال إفريقيا فقد عملت على ضرب الإطارات المؤسساتية للتكتلات الإقليمية. و قد نجحت في تجميد مؤسستي الاتحاد الإفريقي و اتحاد المغرب العربي و صرفت أموالا طائلة من عائدات بترولها على زعزعة الأمن في العديد من البلدان الإفريقية و على رأسهم المغرب . و أكبر برهان على ذلك هو سعيها إلى تجزيئ المغرب عبر احتضانها و دعمها و تسليحها لمليشيات انفصالية تستهدف اقتطاع الصحراء من باقي التراب المغربي لإضعافه و ثنيه عن القيام بدوره المحوري في مسلسل البناء العربي كما أن المخابرات الجزائرية عملت على جعل منطقة الساحل و الصحراء أفغانستان جديد حيث حولته إلى أكبر تجمع إرهابي في العالم تمهيدا لإشعال لهيب حرب إقليمية خطيرة و نقل السيناريو السوري العراقي إلى شمال إفريقيا و الذي يعد المغرب أول دولة مستهدفة منه .
هنا يجب أن يفهم على أن انخراط الرباط في دينامية العمل الجاد على بناء مشروع عربي لهو أمر نابع من مبدأ وعيها بالواقع و التحديات و المخاطر المحيطة بالأمة العربية بشكل عام و من منطلق إيمانها الراسخ بأنه لا يوجد أي ذرة اختلاف بين الشرق الأوسط و الخليج و شمال إفريقيا فكلها أقطار عربية و كلها معنية بهذا المشروع و أن المغرب كان و سوف يبقى على الدوام قطبا استراتيجيا كبيرا يشكل العمق العربي الممتد من المحيط إلى الخليج .