المتابع لخطاب بنكيران وتركيزه على مقارنته بالأستاذ عبد الرحمان اليوسفي تقتضي عدة توضيحات: اليوسفي كرجل دولة، بما كانت له من خبرة في العمل المؤسساتي والنضال الديمقراطي، أحاط نفسه بشخصيات ذات كفاءة، من خلال ما يتمتع به من رؤية لدمقرطة الدولة والانتقال بها، بخلاف بنكيران رجل الدعوة الذي خلط بين منطق المؤسسات ومنطق الجماعة.
اليوسفي يتميز بقوة الأنا، بخلاف بنكيران الذي يعاني من تضخم الأنا، والاختلاف بينهما ان اليوسفي كان رجل دولة حقيقي، و ممارسته السياسية تجاوزت نمط الذاتية بتعامله مع الخصوم وفق ثقافة مواطنة، بخلاف بنكيران الذي يعاني من تضخم الأنا، مارس الهجوم، و المواجهة في سعي منه لنفي المعارضة، وفرض الهيمنة والفوقية والتعالي، بترديده للازمة “أنا رئيس الحكومة” و شخصنة الحكومة، مما منعه ، من الانصات للمخالفيين، هذا المسار، كشف عن طيبعة عن رؤيته للآخر، و كشف عن طبيعة ذهنيته الهشة التي يعاني منها، مما جعل ممارسته لا ترقى لمنطق المؤسسات و رجال الدولة.
لهذا لم يستطع بنكيران بلوغ مرتبة رجال الدولة، رغم وصوله إلى رئاسة الحكومة، حيث ظل حبيس تدبير الأمور وفق أسلوبه السياسي الدعوي وثقافته الأبوية؛ ويظهر ذلك في عقدة الأنا وتضخم الذات، ومواجهة الخصوم بمنطق الهجوم. اشتغل بنكيران كرجل سياسة بحكم هوسه الانتخابي، ومعه انحدر الخطاب مما هو سياسي إلى ما هو سياسوي، وتدنت المؤسسات من مستوى الفاعلية المنفتحة على ما هو عام وعمومي إلى ما هو خاص وخصوصي. وشاهدنا بنكيران مناضلا فئويا انتفت فيه صفات القائد إلى الاب المرشد والداعية.
بينما اليوسفي كرجل دولة، يمتاز بأن له عقلية المؤسسات، وبأنه شخص يدرك أنه يشتغل على الشأن العام، يتحمل المسؤولية السياسية، ضمن سياق متناقض، وحكومة ائتلافية تكون فيها مناوشات وتناقضاته وتعارضاته، لكن تكون رئاسة الحكومة بوصفها مؤسسة دستورية على تواصل مع الجميع بنفس المسافة وفق منطق عمومي يسوده التجرد .
هذا التباين بين رجل الدولة ورجل الدعوة يزكيه ما لوحظ أيضا على بنكيران الذي جعل اللقاءات والتحالفات تتم في منزله، عوض مقر رئاسة الحكومة، وأنتج ممارسة سياسية مشوهة إلى حد كبير، وبالتالي فالذي لا يؤمن بالمؤسسات، لا يستطيع التقلب مع منطقها ولهذا لم يرقى بنكيران بفكره إلى مستوى الوعي بماهية الدولة، إيماناً وعملاً، قولاً وممارسة؛ فقد نهج سياسة المخاتلة في الخطاب والالتباس، وانحدرت معه الممارسة السياسية إلى مستوى غير مسبوق من العنف اللفظي، من حيث الفكر والقيم، إلى حضيض البؤس. وأفرز معه مرحلة الشعبوية من خلال مستوى حواره مع شركائه والمختلفين معه، في ظل احتباس مؤسساتي، وشخصنة غير مسبوقة، جردت معه الفعل السياسي من طابعه العام .
وهذه الشعبوية لبنكيران اتجهت إلى الفردية، وأسست لطغيان الفرد على المؤسسات، وبات بروفيل رجل الدولة عملة نادرة على مستوى الحضور الحزبي الحكومي، أفرز رتابة في السياسة، تحول معه العام إلى خاص وليس العكس، مما حولنا لأحزاب الأفراد. وهو ما أفرز لنا تعيينات في القطاعات الوزارية بخصلة حزبوية ذاتية تعمل كملحقات حزبية تنتظر توجيه السياسي.
في الوقت الذي ادرك عبد الرحمان اليوسفي، ضرورة بناء الديمقراطية، من خلال طبقة وسطى عريضة ، بالمقابل بنكيران اتجه الى الاخلال بالخيار الديمقراطي عبر اجراءات فتت الفئة الوسط، و باتخاد الاجراءات السهلة بحسه الاجرائي، لكون الرجل لم تكن له القدرة على استشراف المستقبل، و يظهر ذلك في تقديمه لسياسات غير شعبية على كونها انجازات.
وبنكيران كان سياسيا وضع نفسه في خدمة حزبه، عوض ان يضعها في خدمة شعبه، و بذلك ينطبق عليه مقولة جورج بومبيدو، حين قال «إن رجل الدولة هو سياسي يضع نفسه في خدمة شعبه، في حين أن السياسي هو رجل دولة يضع شعبه في خدمته».
رشيد لزرق