مواقع كثيرة داخل عمق النظام الجزائري يتواجد بها اليوم مستشارون و خبراء إيرانيون من شتى المجالات و من جميع الرتب و المستويات يشتغلون إلى جانب مسؤولين جزائريين وفق أجندة إيرانية خطيرة تم وضعها بمستوى عالي من الدقة و الدهاء. هؤلاء الخبراء وصلوا إلى الجزائر في إطار اتفاق سري بين الدولتين يقوم على شقين أساسيين .
الشق الأول يقوم على أن :
* تقدم إيران كل ما يلزم من خبرة و دعم سياسي و إقتصادي و تكنولوجي للنظام الجزائري من أجل الخروج من إنسداد الأفق السياسي.
* تدعم مشروعه في إعادة بناء دولة جزائرية قوية تهيمن على شمال إفريقيا.
*أن تستمر الجزائر في تبني الأيديولوجيا الثورية و أن تستمر في تبني القضايا الإنفصالية و في تحريك النزاعات الإقليمية .
و في المقابل فقد وافقت الدولة الجزائرية على أن :
* تستفيد إيران من إمتيازات كبيرة داخل الدولة الجزائرية من ضمنها أن يتوسع هامش الحركة لذى الأجهزة الإستخباراتية و العسكرية الإيرانية داخل التراب الجزائري و إنطلاقا منه.
*أن يزداد حجم القوات الإيرانية و الروسية في الجزائر .
*أن تقوم الديبلوماسية الجزائرية بالدفاع اللامشروط عن السياسة الإيرانية في عدد من القضايا العربية و الدولية .
لكن الهدف الذي تخفيه لطهران من وراء كل هذا التحرك هو إعادة بناء نظام ديكتاتوري جزائري "فاشي" سيكون المواطن الجزائري أكبر ضحية فيه كونه نظام مبني على أطروحات شيوعية قد أثبث التاريخ فشلها الذريع بل إن روسيا ذاتها خلصت مؤسساتها من ذلك الفكر المتعصب المحتقر للفرد المقدس لطغاة النظام و جعلت من هذه الأيديولوجيات القاتلة سرطان تحقنه عبر دراعها الإيرانية في قلب الدول العربية ليدمر نسيجها المجتمعي في صمت تماما مثل ما حصل في سوريا و العراق و اليمن و هو المخطط الذي تعكف إيران على تنزيله في الجزائر حاليا عبر تحويلها إلى جبهة إيرانية روسية قوية تتحكم في عدد من بؤر التوتر الإقليمية المشتعلة لتحاصر من خلالها دول الإتحاد الأوروبي و تهدد سلامة أمنه و إقتصاده و أن تقطع طريق إفريقيا على إقتصادات الغرب لإفساح المجال أمام الإجتياح الروسي للعمق الإفريقي في عملية حسابية معقدة يمكن تصنيفها من ضمن أكبر المعادلات التي سوف تحدد ملامح مستقبل الصراع الكوني بين معسكر الشرق ومعسكر الغرب و الحروب المقبلة .
لكن إيران لوحدها ما كانت لتجد لنفسها موطئ قدم أو أن تتغلغل داخل جسد الدولة الجزائرية و أن تخترق جميع مجالاته و مؤسساته بما فيها الدينية و الدستورية و العسكرية لولا أنها قد إستفادة من تدهور حال الأقطار العربية و إنهيار تلاحمها و التي كان للسياق الإقليمي المتقلب دور كبير في الزيادة من حدة الصراعات الثنائية بين أنظمتها و ذلك بسبب تبنيها وجهات نظر و سياسات عقيمة لم تزد الأمة العربية إلا المزيد من التفرقة و التشرذم و لم تزد المواطن العربي إلا الغبن و فقدان الكرامة .فما لم تستوعبه بعض الحكومات العربية هو أن التحالفات العالمية الناجحة ما كان لها أن تنجح في بناء قواعدها بدون أن تتخلص من التداخل بين الشأن الديني و السياسي و كمثال على ذلك نجد النمودج الأوروبي الذي لم يتوفق في الخروج من عصر الدمار و الخراب و الحروب الأهلية إلا بعد أن قطع مع مظاهر تدخل الكنيسة في المجال السياسي فلم تحقق دول أوروبا التقدم و الرفاه الاجتماعي و لم تتبوأ مكانتها العالمية إلا بعد أن أطرت سياساتها و توجهاتها وفق قانون مبني على مبادئ إنسانية محضة محورها الإيمان بكرامة الفرد داخل المجتمع . و خطت دستورا يؤمن بوجود الأديان و يحترم ممارسة شعائرها و حرمة معابدها لكنه في نفس الوقت لا يضعها في موضع غير موضعها و لا يتخذ منها أداة تجميل لصورته السياسية ولا وسيلة ترغيب أو ترهيب أو تغليب لكفة على حساب أخرى. و هو ما لم تتوفق في فهمه البلدان العربية اللهم بعض الاستثناءات المعدودة . بل إنه كان السبب الرئيسي في عجزها عن بناء سياسات و علاقات خارجية قوية تضمن لها حماية مشروعها الحضاري الداخلي . فالعرب للأسف وضعوا الدين محور سياساتهم فاتخذوا منه مطية للوصول إلى مقاليد السلطة و وسيلة لتبرير سياساتهم الفاشلة المفتقدة لبعد النظر الشيء الذي أفرغ هذه الأنظمة من مصداقيتها و حكم عليها بالفشل بل و كان عاملا لعدم توفقهم في تقييم مسببات سقوطهم الذريع و هو ما شكل و لا يزال إلى اليوم يشكل عائقا أمام وصولهم لزوايا رؤية تحليلية واقعية و قراءة براغماتية ناجعة للتغيرات البنيوية المتسارعة التي يتعرض لها محيطهم الإقليمي و معه العالم و هو ما زادهم تعنتا و مضيا في درب الخسران فقد دفع بالبعض منهم إلى لعب دور الوصاية على الأنظمة الأضعف منه في إطار توافقات جبرية لا تراعي جميع المصالح ولا تحترم جميع السيادات و لا الاختلافات الإيديولوجية و العرقية و ها هم و للأسف يحصدون اليوم ما زرعت أيديهم من سياسات فاشلة أسقطت أقوى أنظمتهم في الوحل و دمرت حضارات عريقة حتى أصبحت صفة الإرهاب و الجهل ملتصقة بالمواطن العربي بل إن المواطن العربي صار رمزا عالميا للمعانات بحميع تجلياتها .
و ها هي إيران تتسلل زاحفة على خيبات العرب لتدخل إلى الدولة الجزائرية من أوسع أبوابها و تستخدمها في تحويل منطقة شمال إفريقيا إلى رقعة حرب
تعيث فيها الميليشيات الشيعية المسلحة فسادا إلى جانب التنظيمات الإرهابية الأخرى الناشطة في منطقة الساحل و الصحراء .و يبقى الخاسر الأكبر دائما هو المواطن العربي .
بقلم إسماعيل واحي