قل لي من يعارضك، أقل لك من أنت. وعندما تسمع مصطفى أديب القبطان السابق يتبجح في الفيسبوك أنه اشتغل مع المخابرات الفرنسية وأنه كان يمر من قناة فرانس 24 بناء على طلب هاته المخابرات وتدخلاتها، تتأكد جيدا من دورة الحياة التي أهدت المغرب هذا النوع من معارضي آخر الزمن الذين يؤكدون الهوان العام لا أقل ولا أكثر.
تتذكر عبد الرحيم بوعبيد وجبالا كالرجال كانت في سنوات أخرى تحمل هذا الهم للارتقاء بالبلد نحو الأفضل. ثم ترى القابعين أمامك في الأسفل يحاولون ربح شيء ما بما يسمونه نضالهم. تقول إن النزول في انحدار مستمر وإن القدر أهدى هذا الجيل فرصة حزينة لرؤية هاته الوجوه وهي تفتح فمها دون خوف من شيء وباستقواء مفزع ومخجل بالأجنبي، ودونما قدرة على الحياء.
أيضا عندما ترى تعامل بعض من يدعون النضال مع الصحافة التي تكتب مالايروقهم، تشعر بفزع كبير وتقول "تصور لو كان هؤلاء المهزومون الأبديون حاكمين، ما الذي سيفعلونه بنا؟ وفي أي الساحات سيعلقون رؤوسنا؟ وبأي الطرق سيقتلوننا؟"
بمجرد أن تكتب خبرا أو كلمة أو تعليقا لايروق لمناضلي الساعة الخامسة والعشرين أو لايسير وفق تيارهم، غير الغالب بحمد الله ورعايته، يسارعون إلى سب عائلتك وأمك وأهلك وذويك، ويعتقدون أنهم ينصرون النضال في المغرب بهذا الشكل، وأنهم يقدمون درس الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان هم الذين لايتحملون سماع كلمة واحدة معارضة لمعارضتهم دون أن يتحولوا إلى كائنات قبيحة مظهرا وجوهرا، تشتم الخلق من البدء حتى المتم، وتحتضن حاسوبها أو هاتفها النقال ليلا وتنام
المصيبة هي أن هؤلاء الرعاع، ومعذرة على الكلمة، لكنها وصف وليست سبا أصبحوا مكتفين بهذا الدور وفخورين بالعمل مع الأجانب، بل مؤمنين أن مايأتيهم من زاد وعتاد وأموال ودعم ومساعدات أو صدقات هو حق لهم وصلوا إليه بفعل "نضالهم" المستميت، حتى أنهم طبقوا في الآونة الأخيرة مقولة المغاربة الشهيرة "ماشافوهومش وهوما كيسرقو شافوهم وهوما كيقسمو"، وسمعنا كلاما مخجلا ولا يليق حتى تكراره عن شنآن بين العائلات حول من يتصرف في المال القادم من وراء البحار..
نعم، أيها السادة أصبح للنضال ثمن، وأصبحت المعارضة مدرة للربح أكثر بكثير من الموالاة، وذهب ذلك الزمن الذي كان الزعماء الحقيقيون يفضلون المنافي والمعتقلات الفعلية والسجون القاسية الحقيقية، لا سجون المستشفيات والعلاج المستمر لأجل أن يدافعوا عن فكرة، عن رأي، عن تصور، عن حزب، عن شيء آمنوا به. وأتى علينا زمن يكتب فيه معارض فيسبوكي لا وجود له على أرض الواقع إنه اشتغل مع المخابرات الفرنسية لأنه يعرف أن جميع المناضلين على شاكلته الموجودين معه في ديار الغربة يفعلون ذلك، بل ووصل به الحنق وقلة الحياء أن وصف كل المغاربة الموجودين في فرنسا بالبركاكة، وجمع في الشتات كله جميع المهاجرين، وقدم لنا درسا ولا أروع في نوعية النضال لأجل الشعب ولمصلحة الشعب ولكل مافيه خير للشعب.
لحسن الحظ أن هذا الشعب لماح وذكي، ويفهمها و"هي طايرة"، لذلك لم يتبع يوما هؤلاء الكذبة مهما أبدعوا في ترويج كذبهم، ومهما تفننوا في بيع خدعهم والحيل والأساطير.
يظل المغربي على حذره البديهي الطبيعي تجاه هؤلاء المتكلمين كثيرا. يلمح في ركن ما من أعينهم دليل رغبتهم في خداعه. ينصت لهم بعض الوقت، يتابع هراءهم قليلا، ثم "كيجمع الوقفة" ويتركهم لحال سبيلهم في غيهم يعمهون، وينصرف وهو يكرر لازمته التي تكفيه شر الوقوع في الفخ "بشحال الحولي؟"
لذلك يغضبون، لذلك يحنقون، لذلك يشرعون في سبنا جميعا عندما يتأكدون أننا لن ننساق وراء خداعهم، ويشرعون في البحث لنا عن التوصيفات والقوالب التي سيضعوننا فيها لأجل الانتهاء منا ومن ريبتنا فيهم ومن شكنا في كل خطوة، في كل كلمة، في كل شعار، في كل بادرة تصدر عنهم أو منهم
نحن سنظل على هذا الحذر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. نريد لبلدنا الخير حقا لكن دون أن نتقاضى فلسا واحدا من الأجنبي، ننتقد مايجب انتقاده، ونقول الأشياء الإيجابية التي تتحقق. لا نريد أن نعارض فقط لكي نكون محل من نعارضهم. نريد أن نعارض الأشياء السلبية التي تعوق تقدم هذا البلد. ونريد بالمقابل أن نصرخ كل حبنا للإيجابيات التي تتحقق، وهي موجودة ولا ينكرها إلا الحاقد أو الجاحد أو المشتغل مع مخابرات أجنبية يبوح بها علنا ويعتبر الأمر دلالة فخر له ووسيلة ابتزاز وضغط جديدين
من ألف "السعاية" لن يتوقف أبدا عن ذلك، وسيجد دائما مبررات وأقنعة وطرقا كثيرة ما لممارسة هوايته المتسخة هاته. عبر بلد أجنبي، عبر مركز دراسات، عبر شركة أبحاث وهمية، عبر اشتغال لدى المنظمات إياها، عبر مد اليد وتسول الإعانات، عبر كل الوسائل لن يعدم بالتأكيد طريقة ما تشبه في النهاية طريقة الواقفين في ملتقيات الطرق والشارات الحمراء يطاردون السيارات يوميا ودونما توقف باحثين عن أكل وهمي يقولون إنهم لم يذوقوه منذ بداية الحياة...
"الله يعفو على كاع المبليين" وكفى. هذا هو الكلام النهائي "آسميتك"