أهم شيء بالنسبة لنا في الصحافة المغربية حمله تعيين يوم الثلاثاء للحكومة الجديدة هو أننا تلقينا إعفاءنا من لعبة “تشوافت” التي أرادها لنا العديدون مباشرة بعد تعيين بنكيران رئيسا للحكومة. انتهينا من لعبة التوقعات ووضع الأسماء اعتباطا في المناصب، ومنع هذا من الاستوزار وتحميل الآخر وزر الحكومات المتعاقبة على المغرب كله. رأينا الرميد الذي قالت بعض الصحف إنه “يعاني من فيتو ملكي” _ لكأنه ليس مواطنا مغربيا بحالو بحالنا _ وقد تولى وزارة العدل، ورأينا بوليف الذي منح فيتوها آخر وقد تولى وزارة جديدة أحدثت على مقاسه، وهو صاحب الأربعين ألف صوت في طنجة أو يزيد.
رأينا رباح وباها والحقاوي والداودي وعمارة وبقية قيادة العدالة والتنمية وهم يصافحون الملك قبل بدء مهامهم، مثلما أعدنا اكتشاف وجه محمد الوفا القيادي الاستقلالي الذي كان الكل يعتقده في الهند قبل أن نجده معنا على رأس التربية الوطنية. وشاهدنا بنعبد الله الذي انتقل في زمن قياسي من وزير يفهم في شؤون الاتصال إلى ديبلوماسي يفهم في شؤون جاليتنا في إيطاليا إلى زعيم سياسي يفهم في كيفية خوض المعارك النضالية، ثم إلى “طاشرون” يفهم جيدا كيف سيتم مهمة توفيق حجيرة في السكنى والتعمير، وفي شيء آخر من فضلكم، هو سياسة المدينة.
رأينا مصطفى الخلفي يخلف خالد الناصري على رأس وزارة الاتصال ويقول لكل الصحافيين المغاربة في أول تصريح له بعد التعيين “مبروك على كل الصحافيين المغاربة”. ولا أعرف علام بارك لنا الخلفي، هل لاختيار واحد منا لإدارة شؤون القطاع؟ أم لتهنئتنا على انتهاء موسم الترقب والتنجيم الذي برعت فيه الصحافة المحلية حد تشبيهها بشوافات جامع الفنا دون أدنى إشكال بالنسبة لعدد كبير من عناوينها خصوصا فيما يتعلق بالتشكيلة الحكومية التي كانت مرتقبة حتى يوم الثلاثاء؟
رأينا الشرقي الضريس وقد غادر الأمن الوطني إلى منصب وزير منتدب لدى امحند العنصر في الداخلية، وفهمنا مجددا أنه ليس علينا أن نصدق من يتحدثون عن الغضبات وعن الوضع في الثلاجات، وعن بقية الأكاذيب التي أضحت ملح طعام حياتنا السياسية المغربية. رأينا أخانا عزيز أخنوش وقد تمكن من تسجيل رقم قياسي باسمه بعد أن دخل إلى كل الحكومات، وكل مرة بيافطة جديدة إلى أن نزع عنه هذه المرة كل اليافطات وتقدم باسمه وعنوان وحيدا إلا من شخصيته “وزيرا للفلاحة غير منتم إلا للقطاع الذي سيسيره”. رأينا صهر عباس الفاسي نزار البركة وقد تولى حقيبة المالية والاقتصاد التي يستحقها لأنه ذو كفاءة لا تناقش، وإن كان وجهه سيذكرنا باستمرارية عباس الفاسي بشكل أو بآخر في الحكومة. ورأينا صاحب جارات أبي موسى وقد تمكن من الحفاظ على موقعه في الأوقاف، وفهمنا أن الدفاع الوطني والأمانة العامة للحكومة قطاعان من الضروري أن يبقيا خارج أي انتماء.
انتهينا من هذا الفيلم الذي لم يطل كثيرا، لكنه وبسبب حالة الهرج والمرج التي تملأ المشهد السياسي المحلي، أعطانا إحساسا كبيرا بأنه دام أكثر من اللازم، وأن الأوان قد آن لكي ننتهي منه، ولكي نلتفت الآن إلى “المعقول”.
هذه الكلمة رنت في برنامج العدالة والتنمية مرارا وتكرار، بل جعلها الحزب جزءا من لازمة في أغنيته خلال الحملة الانتخابية، وقد فهمنا أن المغاربة صوتوا على هذه الكلمة لا على شيء آخر، لأنهم وصلوا حدا خطيرا من الكفر “بالتفلية” التي مورست عليهم لسنوات، وأرادوا أن يصدقوا مرة أخرى وأخيرة أن الطبقة السياسية في البلد الأمين صالحة لشيء غير “الطنز” على الشعب المغربي الشقيق. لذلك لا وقت ولا أجل ولا شيء على الإطلاق.
نريد منهم أن يعطونا ابتداء من تصريحهم الحكومي الدليل على أنهم استوعبوا أنهم نتاج لحظة سياسية مغايرة، وأن يعفونا من سماع الجمل الكريهة التي أصابت التناوب الأول في مقتله الشهير. لم يعد المغربي حمل جملة مثل “جيوب مقاومة التغيير”، أو “شي تخربيقة” من هذ القبيل. اليوم لحظتنا التي أهدتنا إياها اللحظة الكبرى المسماة الحراك العربي، هي آونة للعمل ولتدارك مافات وما ضاع وماسرق من هذا الشعب وما نهب، وما تحدثنا باستمرار عنه باعتباره أشياء أضعناها في الطريق وأضعنا معها الكثير من الوقت على هذا الوطن وعلى أبناء هذا الوطن.
إذا كان بنكيران وتشكيلته سيعملون معنا وفق هذا الأمر ووفق هذاالتوجه، فالكل سيساند، والكل سيعطف على التجربة. أما إذا ما لمس المغاربة منذ البدء ألا شيء في الأفق وأن فاقد الشيء لا يمكن ألأن يعطيه ولا يريد أصلا أن يعطيه، فلا نستطيع فعلا التفكير نهائيا في العواقب، ولا نريد أصلا هذا التفكير، لأننا نعرف أننا في مأزق فعلي، وفي لحظة لا تتقبل نهائيا أنصاف الحلول.
أخيرا وقبل أن أنسى رأينا بسيمة الحقاوي لوحدها وزيرة في هاته الحكومة، ولا أعرف لماذا لكنني فهمت أن الأحزاب الرباعية المشكلة للحكومة اتفقت على تقديم سيدة على الأقل ضمن مقترحيها للاستوزار، وقد وفى أهل المصباح بوعدهم وقدموا الحقاوي ودعموها. أما الأحزاب التي يقال عنها إنها حداثية وديمقراطية وتقدمية “وداك التخربيق كلو”، فقد قدمت الذكور ونسيت في لحظة الجد كل ما تلوكه من شعارات.
الله يجعل كلشي مبارك ومسعود، وطلقونا دابا للفراجة آلخوت.