بمجرد ما نشرت إحدى الوكالات الأجنبية خبرا عن سحب المملكة المغربية لسفيرها من العربية السعودية، حتى سارع محترفوا الاصطياد في المياه العكرة إلى النفخ في هذه القضية، وإعطائها طابع الأزمة الدبلوماسية التي تهدد بقطع العلاقات بين المملكتين الشقيقتين.
فالعلاقات الثنائية بين النظامين والشعبين المغربي والسعودي لها جذور تاريخية، فهما حليفان تقليديان تاريخياً في الكثير من الملفات، حيث تعتبر السعودية وفق معطيات رسمية، الشريك الاقتصادي العربي الأوّل للمغرب، وهذا الأخير وفر لها فرصا عدة للاستثمار، وطالما اتخذ البلدان مواقف مناصرة لبعضهما البعض، وداعمة لقضاياهما الداخلية والخارجية.
العلاقات المغربية السعودية تجاوزت علاقة دبلوماسية بين بلدين إلى علاقة أخوة وصداقة بين أسرتين ملكيتين، تجسدت في أواصر الأخوة التي جمعت ملوكها، والتي عبرت عن نفسها في عدة مناسبات رسمية وغير رسمية، وتوطدت بشكل كبير في عهد الملكين محمد السادس والملك سلمان ابن عبد العزيز.
بالمقابل، فالعلاقات التاريخية، المغربية السعودية، لا تعني عدم احترام ثوابت البلدين، فالمغرب مملكة لها استقلالية ومكانة إقليمية ودولية، ولن تقبل المس بتوابتها الوطنية، ومهاجمة وحدتها الترابية، كما فعلت إحدى القنوات المحسوبة على الإعلام الرسمي السعودي، ورده (المغرب) يكون دائما بأساليب دبلوماسية لبقة، تراعي ود العلاقات الثنائية مع الدول الشقيقة، وهذا ما فعله بالضبط عندما تراكمت بعض الملفات مع العربية السعودية، حيت استدعى سفيره من أجل التشاور ولم يسحبه، وهذا عرف دبلوماسي معمول به في كل البلدان العالمية، من أجل إعطاء إشارة للدولة المعنية بأن هناك أمورا يجب أن تعود لنصابها.
لكن ورغم كل التوضيحات، بل حتى أن وزارة الخارجية المغربية لم تعط للأمر أهمية، استمر النفخ في “سحابة الصيف” التي طفت على سطح العلاقات المغربية السعودية، واستعملت فيه كل الأساليب، من بينها أساليب إعلامية ملتوية، وأخرى غير أخلاقية، كفبركة تغريدة لأحد المسؤولين السعوديين، والمعروف بنشره لتغريدات سابقة مهاجمة للمغرب، لها علاقة بملف ترشيح المغرب لتنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم، التي ندينها ونعتبرها تغريدات لا تمثل الشعب السعودي، إلا أنها لم تصل إلى حد التقليل من الاحترام الواجب للملك محمد السادس، كما تم تداوله في تغريدة منسوبة إليه حول قضية استدعاء السفير، وذلك بهدف جر الشعبين إلى حرب تدوينات وتغريدات، في أفق تحويلها لحرب إشاعات، لكن شعبي البلدين أكبر من أن يقعا في مثل هذه المكائد.
النفخ في هذه القضية اتخذ طابعين، الأول تجلى في النفخ فيها من قبل إعلام لم يستوعب بعد عمق العلاقات الثنائية المغربية السعودية، والتي مهما حصل فيها من مناوشات وتوترات، لن تصل إلى حد القطيعة بين النظامين والشعبين، ومهاجمة مصالح البلدين، لأنها علاقات ذات جذور متينة ورصينة، أما الطابع الثاني فيتجلى في النفخ في الموضوع من قبل إعلام خصوم الوحدة الترابية، والذي سخر كل إمكانياتها لتحويل “سحابة الصيف” إلى أزمة دبلوماسية صورها وكأنها حرب عسكرية على وشك الاندلاع؟
ومهما طال “الخصام” أو “سوء التفاهم” لابد للعلاقات الثنائية المغربية السعودية أن تعود لطبيعتها، وبالتأكيد سيتم تجاوز هذه السحابة العابرة، لأن هذه العلاقات الثنائية أكبر من بعض التقارير الإعلامية.