حكاية أن المؤمن لا يكذب حكاية يجب أن نعيد لها بعض الوضوح، وأن نعرضها لكثير من الشرح بسبب ما يفعله بها بعض المنتسبين للحركات الإسلامية.. مناسبة هذا الكلام هو بلاغ جماعة "العدل والإحسان"، عن إقفال مقرات غير مرخصة للجماعة الثلاثاء الماضي في كل من الدار البيضاء وإنزكان والقنيطرة.
الجماعة سارعت إلى نشر بلاغ عبر موقعها تتهم فيه الصحافة التي نشرت خبر إقفال هاته المقرات، لأنها مقرات وليست منازل بأنها قريبة من الأجهزة وأنها تفتري على الجماعة، وأن الحكاية هي حكاية منازل معدة للإيواء وللسكن وللنوم وللأكل والشرب قررت الأجهزة الأمنية بمختلف تلاوينها حسب تعبير بلاغ الجماعة و"بشكل عنيف" حسب نفس البلاغ أن تقفلها وأن تحرم سكانها الآمنين من النوم ومن مقر سكناهم في ظلم لا ظلم بعده.
هذه الحكاية إن تمت بهذا الشكل حقيقة، فهي تستدعي منا جميعا أن نسائل أجهزتنا الأمنية بمختلف تلاوينها على هذا الاعتداء الصارخ على الحرية، وتتطلب منا أن نقف جميعا عند هاته المنازل إلى أن يعود إلىها الصغار رفقة آبائهم وأمهاتهم لكي يجدوا مكانا يقطنونه عوض أن يبقوا مشردين في العراء وفي هذا الجود البارد الذي لايشجع على البقاء في الشارع كثيرا.
سوى أن القصة ليست بهذا الشكل أبدا، ولهذا ابتدأناها بالتأكيد على مأثورنا الديني النابع من الإسلام الحقيقي لا إسلام السياسة الذي يخبرنا أن المؤمن لايكذب.
هاته البيوت المزعومة ليست منازل ولا بيوتا. هي مقرات للتجمعات العمومية تجتمع فيها كل مقومات أماكن الاجتماعات من قاعات كبرى للندوات والعروض واللقاءات إلى مساجد الصلاة غير المرخصة إلى أماكن الوضوء الكثيرة، إلى أماكن التقاء النساء بعيدا عن الرجال إلى آخر الشروط التي ينبغي أن تتوفر في أي قاعة عمومية.
وهذه البيوت أو الدور هي أماكن تقام فيها صلاة خاصة بأعضاء الجماعة يبدو أنها لاتشبه صلاة بقية المغاربة، وإلا فإن المملكة تحتضن آلاف المساجد في كل شبر منها، وليست دور العبادة هي ما ينقصنا في هذا البلد الأمين، لأنه بلد الإسلام والديانات كلها منذ قديم الأزل، وقبل أن تقرر الجماعة أن تصبح جماعة..
وهاته البيوت المزعومة تعرضت لعملية تبديل كامل في تصاميمها الهندسية، مما نتحدث عنه بالصور في مكان آخر من هذا العدد، لكي تتحول من الشكل الأول الذي بنيت عليه أي مكان معد للسكن إلى الشكل الحالي الذي اضطر الأجهزة الأمنية في البلد إلى إقفاله أي قاعات عمومية غير مرخص لها.
مفهوم البيت أو المنزل لدى الجماعة هو مفهوم ضروري الشرح اليوم، لأن المنازل التي يعرفها المغربي العادي لاتشبه هاته المنازل، ولأن الدور التي يقطنها المؤمنون العاديون أي غير المنتمين للعدل والإحسان لاتتوفر على أماكن كبرى مخصصة للاجتماعات وأخرى مخصصة للوضوء المتعدد وثالثة مخصصة لإقامة الصلاة لا ينقصها إلا مئذنة فوقها ومؤذن يصعد إلى أعلى لكي يطلب من الناس القدوم.
الحكاية أصبحت في الآونة الأخيرة أكثر من ظاهرة، وهو ماجعل سلطات الاختصاص الترابي في وجدة في وقت سابق تقدم على خطوة أولى بإقفال مقر هناك، وجعل سلطات البيضاء وأكادير والقنيطرة تقدم الثلاثاء على خطوة مماثلة، لأن الأمر خارج القانون، ولأن الانتماء لجماعة العدل والإحسان لايعطيك الحق أن تسن لنفسك قانونا خاصا بك وأن تطبقه، وأن تفرضه على الجميع، وفي حال تحدث معك مسؤول عنه تسارع إلى إصدار البلاغات التي تكذب فيها وأنت تعرف أنك تكذب، وتهدد بعقد الندوات الصحافية لكشف الظلم الذي تقول إنه قد وقع عليك.
لنقارن الأمر بحالة مواطن عادي قرر أن يضيف بيتا صغيرا فوق سطح منزله، ولم يخبر السلطات بذلك. ألن يجد أمامه المقدم والقايد وكل السلطات فور أن يضع أول كيس رمل وإسمنت أمام منزله؟
بلى وكلنا نعرف ذلك، وكلنا نعرف أن البناء الاستثنائي يتطلب رخصة استثنائية تسمى رخصة التعمير، وأن إقامة مسجد أو بنائه في منطقة لا يوجد فيها مما يقوم به المحسنون المغاربة في أكثر من مكان يتطلب ترخيصا يحترم ظهير تنظيم دور العبادة في البلد، وكلنا نعرف أن أصغر جمعية في البلد مطالبة بتقديم طلب ترخيص لاجتماع من اجتماعاتها إذا ما هي أرادت جمع المنتسبين لها أو المنتمين لأنشطتها في مكان ما.
مهلا، هل نقارن العدل والإحسان بالمواطنين العاديين المغاربة؟
طبعا لا نستطيع لأن الجماعة لاتعتبر أعضاءها مواطنين عاديين، ولا يمكنها أن تقبل بأن تعامل بمنطق المساواة مع بقية الناس في المغرب .
هي جماعة على رأسها ريشة مثلما يقول المصريون، مهمتها مقدسة في الأرض، ووظيفتها تربيتنا وإعادة تربيتنا جميعا إلى أن نعود إلى منهاج تصور المنازل بهذا الشكل، وإلى أن يصبح لدى كل واحد منا وكل واحدة منا داخل منزله قاعة للاجتماعات، وأخرى للصلاة وأماكن كثيرة للوضوء، وإذا ما تحدث معنا أحد أو أراد أحد تذكيرنا بوجود قانون في البلد، نرفع في وجهه أصبع الرفض، ونقول له إنه ظالم وسوف نعقد الندوات تلو الندوات لكي نكشف ظلمه وتحيزه الكبير هذا.
ماذا قلنا في البدء؟ قلنا إن المؤمن لايكذب، وفي الحقيقة لسنا من قالها، بل تركها لنا مأثورنا الديني خالدة نتأمل فيها ونقارنها بمن يتحدثون باسم الدين اليوم ولا يتورعون إطلاقا عن لي عنق الحقيقة لأجل السياسة ومكاسب السياسة وبقية ماتفرضه تقلبات هذا المجال اللعين المسمى السياسة، ولله الأمر من قبل ومن بعد بطبيعة الحال، في المنازل وفي البيوت وفي دور الخلافة الكاذبة وفي بقية أماكن التجمعات والملتقيات....
المختار لغزيوي