لا يمكن أن نحصل على قراءة تحليلية إستباقية حقيقية لكواليس صناعة أي قرار سياسي جزائري نحو المغرب دون فك أخطر شيفرة تستعملها مرغمة دوائر الحكم في الجزائر في توضيب و تركيب و قولبة و بناء و صياغة قراراتها . هنا نجد أن هناك سؤال يطرح نفسه بشدة و هو كيف يمكن فك هذه الشيفرة المعقدة من أجل الوصول إلى قراءة إستباقية دقيقة تمكننا من إنتاج موجات إجتياحية سياسية سبقية مضادة و ناجعة
في هذا المقال التحليلي سوف نحاول تفكيك بنية القرارات الجزائرية المتعلقة بالمغرب لنستخرج منها المؤشرات و الميكانيزمات التي تستعملها مؤسسات العمق بداخل الدوائر العليا لإنتاج القرار الجزائري نحو المغرب
من هنا يمكن أن نلاحظ أن هذه القرارات في مجملها تنبني على رموز محورية و هي إفراز إشاعات سيادية وهمية يتم البناء عليها للوصول إلى موقف عدائي ذوا صدى موحد داخليا و تأطير هذا الموقف و تضخيمه بحمولات تاريخية ثورية إنسانية يتم تبريره بتشبيهات و قياسات على أوزان قضايا عربية مصيرية حساسة و شائكة لا يختلف حولها أحد من أجل الوصول إلى إجماع دولي على شرعيتها و مشروعية الدفاع عنها . عند هذه النقطة بالذات و لكي نوسع دائرة الفهم لابد و أن نقوم بعملية جرد دقيق للمراحل التي قطعها المسؤول عن القرار منذ البداية و إلى حين صدوره سوف نجد الأفعال الآتية "-إفراز-إشاعة-بناء-تأطير-تضخيم-تبرير-تشبيه-الإجماع-الدفاع" و إذا ما أردنا أن نجمع هذه الأفعال في جملة سياق السياسة الجزائرية نحو المغرب فإنها سوف تكون : أن الدولة الجزائرية تقوم بإفراز حذث وهمي تقوم بإشاعته دوليا لتستعمله كمنصة تبني عليها معطيات كاذبة تقوم بتأطيرها و تضخيمها لتصل إلى مرحلة الخطر الذي لابد و أن يتخد قرار قوي في حقه لكنه مبرر كونه يشبه القضية الفلسطينية التي يجمع العرب على أنها تصفية إستعمار يجب الإستماتة في الدفاع عنها و هذا بالظبط هو الطرح السياسي الجزائري نحو المغرب و هذه هي الميكانيزمات التي يشفر بها ساستهم عملية إنتاج قراراتهم الخاصة بالمغرب
قد يبدو في البداية أن الأمر سهل و أنه من الممكن الإستناد على عملية فك رموز الشيفرات هته من أجل تطوير قراءات إستباقية تبطل مفعول هذه القرارات المخدومة بشكل سهل لكن الواقع أقوى مما يظن المهتم .لمذا ؟؟؟
لأن الدولة الجزائرية نفسها ليست المتحكم في هذه التركيبة بل هي لا تعدوا أن تكون مجرد حامل للرسالة أو ساعي بريد يوصلها نظرا لكون الجزائر كدولة من المنظور السياسي ليست سوى صندوق فارغ من الداخل يفتقد لروح الدولة و نظرة الدولة و تسيير الدولة و ذلك راجع إلى أن من صنع تاريخ الجزائر الحديثة كدولة ليس الجزائريون بل الساسة و المستشارون الأتراك و الفرنسيون فالكل يعلم أن الجزائر قضت 316 سنة كمستعمرة تركية و 132 سنة مستعمرة فرنسية أي أن مجموع مدة الإستعمار الذي عاشته الجزائر دون إنقطاع 4 قرون و نصف فمنذ سنة 1514 و المستعمر من يشيد بروحه التقسيمية التوسعية بكل تجلياتها و حموليتها الهمجية و فكرها الإمبريالي الجسد السياسي الجزائري أي أن الجزائر عاشت 4 قرون و نصف دولة مقصية من أي إنتاج
سياسي أصلي بل هي شبه دولة مفعول فيها و ليست فاعلة أن هذه المدة الطويلة جدا أفرزت لنا اليوم نخب سياسية تستمد قوتها و مشروعيتها من فكر المستعمر السابق فالساسة عموما يستوحون جزئ كبيرا من قراراتهم السياسية بناء على قناعاتهم الراسخة المتوارثة و المستنبطة من تاريخ الدولة و أمجادها و كينونتها عبر الزمن و بما أن الجزائر قضت آخر 4 قرون و نصف تحت يدالمستعمر هنا يمكن الجزم على أن من يكتب تاريخ السياسة في الجزائر اليوم يمكن أن يكون جزائريا لكنه يكتب بقلم غير جزائري
هنا يجب إلتقاط الإشارة و التسطير على المؤشرين الذين يتحكمان في قرار الساسة الجزائريين إنها عقلية الدولتين الإمبرياليتين العثمانية و الفرنسية هاتين الدولتين اللتان لطالما نصبتا نفسيهما كقوتين عالميتين تبسطان سيطرتهما على أكبر مساحة ممكنة من محيطهما لكن ليس على مغرب المولى إسماعيل الذي إستطاع قبل 4 قرون أن يفك الشيفرة التي تستعملها الجزائر اليوم فالمولى إسماعيل السلطان العلوي الذي حكم المغرب تمكن بواسطة فكره السياسي و توجهه الإستراتيجي من التصدي للمد و الخطر الإستعماري العثماني و الفرنسي هذا الخطر الذي ركب الشيفرة التي تستعملها الجزائر اليوم في صياغة قراراتها نحو المغرب بالعودة إلى تاريخ الدولة العلوية في عهد المولى إسماعيل سوف نكتشف أن السر الكامن وراء قوتها أنذاك هو العقلية الإسماعيلية النيرة و التي جعلت من المغرب أنذاك حصنا منيعا على أعتى القوى العالمية المفترسة أنذاك و التي جنبت على المغرب حقبة عار سوداء لم تسلم منها أية دولة عربية . لقد تجلت السياسية المغربية أنذاك في إهتمامها و عملها على محاور أساسية بنوع من الواقعية و
البراكماتية المتمردة على الكوطا التي خيطتها لنا هيمنة الغرب ففي عهد المولى إسماعيل تم صياغة تعاريف جديدة لتصبح خيارات إستراتيجية تدفع عجلة التقدم في الدولة
مثل إعطاء الأهمية إلى تقوية و توسيع البنى التحتية و تشييد منشئات و مشاريع كبرى إستراتيجية متعددة الأهداف و المنافع للدولة والعمل على التطوير و التحذيث و التقوية المتوازية للقوة العسكرية و العمل الديبلوماسي و الإنفتاح على القارة الإفريقية كخيار إستراتيجي يجعل من وضع حدود الوطن خارج حدوده كأولوية من أجل ضمان سلامة التراب الوطني و الإهتمام بالمجال الديني عبر النهوض بدور الزوايا كقطب داعم للإستقرار و جيش عقائدي من ملايين المريدين عبر ربوع القارة الإفريقية
من هنا نستنتج أن القرارات السياسية التي تصنعها الجزائر اليوم نحو المغرب هي شيفرة مركبة من الرموز التي تحركها جهات داخلية متصلة درجة الإرتباط الوثيق بقوى خارجية منسجمة قصرا فيما بينها هي في الماضي فرنسا و تركيا لكن بعد رحيل المستعمر عن الجزائر تداخلت عوامل أخرى لتظيف أطراف جدد لكنهم مثل روسيا نظرا التحالفات الإقتصادية و العسكرية و الحرب بين معسكر الشرق و الغرب إظافة إلى إسبانيا كونها أهم عدو لدود للمغرب على مر التاريخ منذ الأندلس و إلى البوليساريو .
هذه إذن هي العقليات السياسية التي تتحكم في رموز الشيفرة التي يعتمدها الساسة الجزائريون في صناعة قراراتهم نحو المغرب . و المغرب يعرف ذلك جيدا و يتعامل مع الجزائر ضمنيا على هذا الأساس و الدليل على ذلك هو السياسة الملكية في عهد الملك محمد السادس تشبه سياسة جده المغفور له السلطان مولاي إسماعيل بكل تجلياتها و تفاصيلها بل إن الروح الإسماعيلية تتجسد في مغرب محمد السادس.
بقلم إسماعيل واحي