وأنا أتتبع الجدال الحاصل بين أمينة ماء العينين ومصطفى الرميد، حول فضيحة التفسخ، والتبرج، وخلع الحجاب “خلسة” في باريس، وارتدائه “علنا” في المغرب، أعترف للقارئ الكريم أنني احترت كثيرا فيمن أصدق منهما.
هل أصدق مصطفى الرميد الذي اتهم ماء العينين بذات الوجهين، وهو خير العارفين في هذا المجال، فهو يشتغل وزيرا للدولة في حقوق الإنسان، وسبق له أن خرج مدافعا عن متهم بجريمة قتل، دون أن يعير أدنى اهتمام بأسرة الفقيد.
كما أن الرميد، الذي من واجبه الدفاع عن حقوق المرأة، هو من يهوى التعدد في الزواج والمعاشرة، ضدا على القيم المدنية الحديثة، وعلى مشاعر الزوجة والأبناء. فكيف يتجرأ هذا الرجل، ويصف السيدة ماء العينين بذات الوجهين؟ وهو نفسه المالك لأكثر من وجه بشهادة بعض مقربيه.
نعم فمصطفى الرميد متعدد الأوجه والمواقف، انقلب على تاريخه النضالي داخل الحزب، وانقلب على زعيمه عبد الإله بنكيران، وقاطع مجلس الحكومة ضدا على الدستور، وضدا على رئيس الحكومة الذي ليس سوى زعيم حزبه الحالي، يغضب وهو ضاحك ويضحك وهو غضبان، يمارس مهام سياسية لا تليق به، ويلبس عباءة وزارية لا تتناسب وحجم بطنه، هو ذو الزيجات حسب المزاج، وكثير الغضبات واللجاج.
قال أعرابي في وصف ذي الوجهين:
إن يغْدُر أو يفْجُرْ
أو يقتل لا يحْفَل
يغدو عليك بوجهين
وكأنه لم يفعل
أم أصدق أمينة ماء العينين التي ردت عليه بخفة دم هائلة وأجابته، “على الطائر”، لتقول له: إنها لا تملك إلا وجها واحدا، وإن مواقفها لا تتغير، وإنها تعرضت لعمل إرهابي من طرف الذين يستهدفونها، لكنها واجهتم “وحيدة عزلاء”؟.
وقد بدت ماء العينين وهي تدافع عن نفسها، حزينة وفي حيرة من أمرها، ونحن شهداء على حالها، فقد تأثرنا لحالها وما أصابها من ارتباك أثناء ترؤسها للجلسة العامة في البرلمان، حين أصبحت الدقائق سنوات. وانزعجنا أَيَّما انزعاج حين علمنا أنها تعرضت أو تسببت في حادثين للسير بخسائر مادية والحمد لله.
مسكينة أمينة.. ويصدق عليها المثل الدارج: “ناضت ليتيمة تشطح، قالوا الطعريجة تهرسات”.
وما كان لأمينة ان تضطرب او يصيبها ارتباك لو واجهت المواطنين بالحقيقة يوم نشر موقع “برلمان.كوم” صورها، وهي ترقص مزهوة أمام الطاحونة الحمراء؛ حينها كانت “الطعريجة” سليمة ولم يصبها أذى لولا “الجبهة والنكير” الذي واجهت به موقعنا، (ومن يملك أكثر من جبهة فلديه حتما أكثر من وجه).
وبالمناسبة، ومادامت امينة صافية وصادقة، ولا تملك غير وجه واحد، نذكرها بما سبق أن أشهرته في وجوهنا (عفوا في وجهنا فنحن لا نملك غير وجه واحد)، هي وحلفاؤها، وأعضاء فريق حزبها بمجلس النواب، حين قالوا جميعا إن الصور مفبركة وهددونا باللجوء إلى القضاء “هي تبكي والقاضي يمسح ليها الدموع ..ومللي سكتات شْهّْد عليها الجموع “.
أدعوك اليوم أختي أمينة أن تبلغي رسالتي لأعضاء فريق حزبك، وهي ببساطة مثل عربي حكيم :”لو أنْصَف الناس استراح القاضي”..فبأي وجه تواجهون به القوم اليوم، أنت ومن حاباك؟ فها هو سعد الدين العثماني يلوح بمعاقبتك، وها هو الرميد قرر أن “يمرمدك”؟.
لقد عاندت وأنكرت فعلتك، وادعيت بأن الصور مفبركة؛ فأتاك الموقع بالصورة الثانية، ثم زادك الثالثة، إلى أن خُرْتِ معترفة وقلت ما قالت زوجة العزيز في سورة يوسف: “الآن حصحص الحق.. وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ”.
وحين ظهر اعترافك، وانكشف نقابك، قلنا لك كلام الحق الذي لا نَغْفَلُه “يا أمينة، نحن لا نستهدفك، بل نستهدف الخطاب والسلوك المزدوجين في حزبك”.
أما، وقد خرج الرميد اليوم لمعاقرتك، وخرج العثماني لمعاتبتك، فها أنتم جميعا يصدق عليكم المثل الشعبي: “دابزو يا الفيران، على خميرة الجيران”.
أما حليفك بنكيران، الذي خرج ليدافع عنك، فانغرست رجلاه في أوحال الريع والتقاعد الاستثنائي، فقد “فأْرَرْناه” و”قَطَّطْنا غيره” في رسالتنا المنشورة يوم أمس، فالشخص يستغل الفراغ السياسي وضعف المنافسين: “إذا غاب القط، رقصت الفئران”.
ولأكون صادقا مع نفسي، فأنا لا أصدق عبد الإله بنكيران، كما لا أصدق مصطفى الرميد، فكيف لي أن أصدق ماء العينين؟. فهم جميعا من نفس الطينة، ومن نفس الحزب، و”مسقيين بمغرفة وحدة”، وأجدادنا يقولون: “من عُرِف نسبُه لا يخدعنا كَذِبُه”.
والخلاصة التي لا مناص منها اليوم، هي أن قادة حزب العدالة والتنمية يملكون وجوها كثيرة ومتعددة، بل إنهم كالعطار الذي فضل بيع الأقنعة في عاشوراء بدل التوابل، فلما رأى كثرة الإقبال على الأقنعة انتقل بين الدواوير ليعرض أقنعته.
ياااه ..حين كنت صغيرا علمتنا المعلمة أغنية جميلة:
“يا عمي يا بياع
شوف لي شي قناع
ما بغيتش نكون خداع
ما بغيت نبيع ولا نتباع”
أما اليوم فالأقنعة بالآلاف والبيع والشراء ارتفع في سوق المزاد.
والحقيقة، أن ما قاله الرميد في السلوك المزدوج ل”ذات العينين الصاحيتين الممطرتين” صادق وأمين، فهي ارتدت الحجاب في المغرب وانكرته في مدينة الأنوار والحب والشهوات؛فكانت فعلا مزدوجة السلوك والمآل، وكانت أيضا كمن تراه اليوم في حال وغدا في حال.
واذا اعتبرنا أن الرميد صادقا في كلامه، فإن ماء العينين ردت عليه بما قد يبدو مقنعا ايضا، خاصة أن الحجاب حرية فردية، وقناعة شخصية، لا يجب أن يمسسها أحد بسوء، فكيف إذا تعلق الأمر بوزير الحقوق والحريات؟ ثم إن غالبية قياديي حزب العدالة والتنمية لم ينجوا من الفضائح، فمنهم مرتكبو الآثام، ومنهم من طالته المعاصي والسيئات، بسبب ضعف تقدير أو سوء التصرفات. وبالتالي، فالأمر يتعلق بانهيار مدوي لأطروحة التفوق الأخلاقي، لدى حزب متخصص في بيع الأقنعة.
وحزب العدالة والتنمية المغربي، ليس وحده من احتار في قضية تعدد الوجوه والأقنعة، فهناك قبيلة أمريكية تدعى “هوبي”؛ بمنطقة اريزونا، تهوى الأقنعة، بل تقدسها. وقد غضب سكانها كثيرا حين بيع أزيد من سبعين قناعا مقدسا لديهم، بالمزاد العلني في فرنسا، بما قيمته مليون أورو. وهذه الحادثة جعلتني أتساءل عن قيمة الأقنعة والوجوه التي يحملها بعض قياديي العدالة والتنمية، وعن أثمنتها في السوق أو في المزاد العلني. وقد أثارت عملية بيع أقنعة قبيلة “هوبي” جدلا كبيرا لدى المدافعين عن حماية الأقنعة الأصيلة، أكثر بكثير مما أثارت ضجة قناعَيْ أمينة ماء العينين.
فأقنعة الزعيم بنكيران، مثلا، لا تقدر أثمنتها بمبلغ، لأنها تتيح له إمكانية التحول والتلون حسب الأحداث والمقتضيات. وبالتالي، فإذا ما عرض وجهه للبيع، فقد يتنافس عليه المتنافسون في المزاد، وخاصة أولئك المحتاجون للتلون والتحول. هذا بالرغم من أن حزبه تنكر له وألقى به في دائرة النسيان”كون كان في موكا الخير، ما خلاوها الصيادة”.
ومع ذلك فما يتقنه بنكيران من تلاعب في الوعود، وتبدل في الوجوه، وتقمص للأدوار والمواقف، وبكاء في الشدائد والمصاعب، واستجداء للأموال والهبات، لا يتقنه غيره لأن الأمر يتعلق بموهبة “بهلوانية”، وخفة دم رياضية، فعين بنكيران حريصة على المنفعة أولا، كما هي حريصة على ترصد المنافسين “اليد في الطبق، والعين على من يزهق”.
وبنكيران الذي ناشدناه في مقال سابق، باسم الله والفضيلة والوطن، بأن يعيد الأموال التي حصل عليها من صندوق التقاعد، إلى المواطنين، لأنه بكل بساطة رجل غني، وبالتالي، فهو في غنى عن هذه الأموال؛ لم يجبنا عن كلامنا، وفضل أن يدير ظهره لكلام الله تعالى وحديث رسوله الذي اوردناه في المقال، فكنا كمِثْل “اللي تيقرا سورة ياسين، على قلوب الكافرين”. ولكن أملنا لا يزال كبيرا، في أن يصحو ضميره، ويلين قلبه، كي لا يكون ذليلا، وهو يعلم أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن “الطْلاَّب الذليل، بحال ذبانة الخيل”.
إنني أنا كاتب هذه الأسطر، خاطبته أمس بالآيات البينات، وبالحديث الشريف، وأخاطبه اليوم، بالأمثلة الشعبية، والكلام الدارج، عساه يتعقل، ويستغفر الله، ويستحضر الحكمة، فأوجه الكتابة كثيرة وصادقة أمام وجوه السياسة فخادعة وماكرة.
وما يخيفني اليوم كثيرا، هو أن يصبح للعدالة وجه ، وللتنمية وجه آخر، عند هذا الحزب المحتار في أمره. وبالتالي، فهو حزب “ذو وجهين”؛ وذو الوجهين عند العرب هو من لا يستقر عنده قول، أو موقف، أو وعد. فهو إذا عاشر أهل الصلاح، أبدى لهم الطهارة، وإذا عاشر أهل الطلاح، أبدى لهم الفجور والفواحش، بل وتباهى بالخبائث.
نعم أصبحت أتخوف عن مستقبل هذا الحزب، لأنه انقلب على مبادئه وقيمه، وأصبح مهزوما أمام ملذات الحياة، وفتن الجنس والشهوات. بل إنه أصبح مرجعا للكذب والخداع والمراوغة؛ فتراه متأرجحا يتمايل حسب المصالح والمكاسب والمناصب:
قوم إذا صُفِعت بالنعال وجوههم
تساءلت النعال بأي ذنب تُصْفَعُ
أبو أمين