مع انطلاق الشرارات الأولى لـ”ثورة الربيع العربي” آواخر عام 2010 جراء إحراق محمد بوعزيزي نفسه، واندلاع فتيل النيران إلى بعض الدول العربية، اتضح أن العالم العربي سيشهد تحولا تاريخيا قد يقلب موازين اللعبة السياسية على المستوي الإقليمي و الدولي، فاكتسح الإسلاميون المشهد السياسي وصعد “الإخوان” ليقودوا كلا من مصر وتونس، لكن سرعان ما تلاشت الأنظمة الجديدة التي يشكل الإسلاميون في تلك البلدان عمادها الرئيسي، مما طرح العديد من التساؤلات حول قدرة هذه الأنظمة والحكومات الجديدة على الاستمرار في الحكم، ومواجهة التحديات القائمة.
في المغرب كان السيناريو نوعا ما مختلفا، حيث ساهمت حركة 20 فبراير المنبثقة من “ثورة الربيع العربي” في وصول حزب البيجيدي إلى قيادة الحكومة برئاسة عبد الاله بنكيران أمينه العام السابق، هذا الحزب لم تعصف به رجات وتداعيات الثورة، واستمر بمشقة الأنفس وخضوع للشروط المفروضة علية في رئاسة الحكومة لأزيد من 7 سنوات كانت كفيلة لتبيان مجموعة من الاختلالات على مستوى تدبيرهم للشؤون العامة للبلاد وكذا كشف النقاب عن “ازدواجية خطابهم”، الأمر الذي أوصلهم إلى قيادة تيار مضاد لأنفسهم وهم لا يعلمون.
مكاسب انتخابية وتحالف متنافر
أطاح حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية إبان الثورات العربية، بحكومة عباس الفاسي وذلك في انتخابات تشريعية سابقة لأوانها يوم 25 نونبر 2011، حيث حصل الحزب الذي كان يصطف في صفوف المعارضة على 107 مقعد بمجلس النواب، وبعد خمس سنوات، تمكن مرة أخرى من تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم 7 أكتوبر 2016 بحصوله على 125 مقعدا، من أصل 395 مقعدا بالبرلمان، لكن سرعان ما سيكتشف الحزب أن باقي الطريق لرئاسة الحكومة ليست كلها معبدة.
فبالرغم من مكاسبه الإنتخابية هذه، لم يفلح الحزب بزعامة أمينه العام عبد الإله بنكيران، في تشكيل أغلبية حكومية صلبة وبارزة المعالم، الأمر الذي فرض عليه تحالفا مع أحزاب متنافرة خصوصا في مرحلة ما عرف بـ “البلوكاج الحكومي” الذي دام زهاء 6 أشهر، وهي المرحلة التي التحق فيها حزب التجمع الوطني للأحرار في 2016 إلى الأغلبية محتلا بذلك مكان حزب الاستقلال الذي فضل العودة إلى صفوف المعارضة.
تنازلات أفقدت “البيجيدي” عذريته السياسية
التجمعيون وبرئاسة عزيز أخنوش استغلوا انشقاق أغلبية الوافد الجديد على السلطة في مرحلة “البلوكاج” السياسي للي ذراع بنكيران وإطاحته من على رأس الحكومة، الأمر الذي أسفر عن تعيين سعد الدين العثماني خلفا له، ليتمكن هذا الأخير من احتواء الأزمة بالخضوع للشروط التي رفضها سلفه والمتمثلة في بادئ الأمر في إدخال حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية والتنازل عن الوزارت السيادية لصالح “الأحرار”، وهو ما جرّ على الحزب وابل من الانتقادات التي صبت في كون العثماني مجرد رئيس حكومة صوري يجد صعوبة بالغة في تزعم السلطة التنفيذية.
الخضوع لشروط حزب الأحرار، وفق ما سجله المتتبعون للمشهد السياسي، أضعف حزب العدالة والتنمية وجعله يفقد “عذريته” السياسية بالرغم من قيادته للإئتلاف الحكومي وهو الأمر الذي انعكس وأسفر عن تراشقات بالتصريحات والتصريحات المضادة بينه وبين الأحرار غير ما مرة آخرها مايتعلق بملف “نظام الفوترة”، هذا بالإضافة إلى ازدواجية خطابهم الذي عرته أفعال قياديه، بدءا من حامي الدين، المتهم في قضية قتل الطالب عيسى آيت الجيد ومرورا بمحمد يتيم الذي يشغل منصب وزير الشغل والإدماج الذي فُضح أمر علاقته بمدلكته التي تصغره ب30 سنة وصولا إلى الفضيحة التي لا زالت تقسم البيت البيجيدي الداخلي والمتمثلة في انتشار صور البرلمانية ماء العينين وهي تتجول بباريس دون غطاء رأسها التي اعتدات ارتداءه في المغرب، في ضرب سافر للخطاب الذي يروجون له.
القصر بوصلة “البيجيدي” الذي يراهن على ربح الوقت
فأمام كل التحديات التي واجهت البيجيديين ولاتزال، يرى الخبير الدستوري المتخصص في الشؤون البرلمانية و الحزبية رشيد لزرق أن “الحكومة مقسّمة فعليًّا و تراهن على ربح الوقت فقط لتجاوز المحنة، في وقت كان يلزم الحكومة أقصى درجات التوحد من أجل حل المشاكل الاجتماعية العميقة التي تمتد جذورها لحكومات سابقة، في ظل أزمات اقتصادية خانقة يتطلب حلها إصلاحات هيكلية يستوجب إجراؤها استقرارا سياسيا يهتز يوما بعد طبول الحرب التي تقرع بين اطراف التحالف الحكومي”، وهو الأمر الذي دفع القصر في السنتين الأخيرتين، وفق تقرير أعدته “جون أفريك” الفرنسية، للتدخل في عدة مناسبات لتصحيح المسار وتوجيه بوصلة الحكومة بشأن قطاعات كانت في الماضي القريب حكرا على الجهاز التنفيذي من قبيل السياسات الاجتماعية والبيئة ومناخ الأعمال والتعليم والتكوين المهني.
وأضاف لزرق في تصريح لـ”برلمان.كوم” أن الحكومة أزمت الوضع أكثر بفعل تعطل المفاوضات الاجتماعية وتدهور المقدرة الشرائية التي جعلت المواطن في حالة غضب دائم من الوضع الذي لا يستجيب لتطلعاته أو احتياجاته”، مؤكدا بأن “تغيير الحكومة جذريا سيضمن الخروج من الحلول “الترقيعية” نحو معالجة جدية للملفات الاجتماعية الساخنة خصوصا في ظل إصرار كل الأطراف الفاعلة على مواقفها، وتوعد النقابات بنقل الصراع للشارع”، يورد الخبير الدستوري المتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية.
فهل يقبل الإسلاميون بالتنحي أو سيستمرون في الرهان على عامل الوقت لتجاوز الأزمات؟ وفي حين استمرارها كم تحتاح حكومة العثماني من الوقت بدل الضائع لربط زمام الأمور؟ وأليس تصدع بيتهم الداخلي وانكشاف ازدواجيتهم هي بداية النهاية؟ أم إنهم عازمون على قيادة “ثورة ناعمة” ضد أنفسهم؟