يمينة حمدي
الاسلام في علاقته بالسياسة موضوع متشعب الأطراف ومترامي الأبعاد، لا نروم فتحه من أجل توجيه أصابع الاتهام إلى شريحة اجتماعية معينة أو بغاية النبش في الانتماءات الدينية أو العرقية، بقدر ما يهمنا الوقوف عند بعض الظواهر الشاذة التي نحب ان نحفظها ولا نقيس عليها، ولنأكد على سماحة الاسلام وترفعه عما يلصق به من تهم باطلة ومن استفتاءات تخدم مصالح بعض الزنادقة الذين يتسترون برداء الاسلام من أجل الوصول إلى أغراضهم.
وهنا نريد أن نفصح القول ونفتح أعين كل الشرائح على أولئك الذين يحاولون إدخال البلبلة في صفوف أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد لأسباب واهية أبعد ما تكون عن الاسلام، وهم تجار الدين الذين كانوا بالأمس ومازالوا يتعيشون من بلاطات الأنظمة الديكتاتورية وأباحوا لها ما حرم باسم الدين، وساهموا في تسطيح المجتمع ودفعه إلي مزيد من التخلف والتعصب تحت تأثير شهوة السلطة والثروة والشهرة.
وما أكثر هؤلاء المدعين في الدين معرفة والمتضلعين في التفسير والاباحة والتكفير، والعالمين بخبايا القرآن وبأسرار الكتاب!.. الكل يفتي والكل يروي ويفسر، فبات المفهوم الروحي للدين وسيله لكسبهم الدنيوي والركوب على ظهر الدين من أجل السلطة.
ما أبعدنا اليوم عن الدين الاسلامي الحنيف وعن سماحة تعاليمه، وما أبغض ما يدور في بلداننا العربية من صراعات وتطاحن ونزاعات، من أجل كراسي السلطة، بالأمس كانت القاعدة الوحيدة لدى المسلمين هو العمل في الأرض وأفئدتهم مشدودة الى السماء، زادهم الإيمان والتقوى، ومقاصدهم العافية والعيش الحلال، وحتى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتغير حال المسلمين، فعندما خلف أبو بكر الصديق الرسول اعتبر السلطة نيابة عن النبي، والنائب مؤتمن ينفذ تعاليم المنيب، وسار عمر بن الخطاب على نفس الدرب النبوي، وحافظ على مفهوم أن السلطة أداة خدمة للعباد لا أداة للتسلط، وانقضى الشطر الأكبر من عهد الخلفاء الراشدين، في كنف التوازن والانسجام بين المسلمين والخلافة.
لكن لما انتزع معاوية بن أبي سفيان الخلافة بقوة السلاح والمال والبراعة السياسية، أصبحت السلطة أداة للتسلط والتنكيل والجبروت.. وحاد المسلمون عن التوجه الحقيقي للدين الاسلامي الذي أصبح يشكل وفق المصالح المرجوة ويوظف لخدمة الأغراض الشخصية مثلما هو الحال اليوم الذي بات فيه الاسلام أداة يتاجر بها الراكبون على ظهر "الربيع العربي" والمتحججون بالديمقراطية.
وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال ملح يبحث عن إجابة شافية وهو هل أن كل من يدعي في الدين الاسلامي حكمة مؤهل لأن يكون قائد الأمة؟
إن الوضع الراهن لمجتمعات الربيع العربي يؤكد وبوضوح وجود حراك وجدال في مختلف المجالات الثقافية والتشريعية والسياسية.. وكل منتسب لفريق يعتبر أن بيده الحل السحري لمعضلات الناس جميعا، وهو الضامن لمختلف الحقوق على اختلاف مشاربها، ويرى في نفسه الأجدر والقادر الأوحد على ضمان الديمقراطية التي في باطنها تخدمه هو قبل أن تخدم غيره.
وسبب الادعاء هو أن ذلك الْمُدّعي في تعاليم الاسلام معرفة جاهل بالتراث الشرعي الإسلامي، ويهاجم بدوافع الحقد والكراهية، والأحكام المسبقة.
إن هذه الأقواس التي فتحناها هي دعوة صريحة وملحة لإعادة تنظيم العلاقة بين الدين والدولة وفضح جميع أولئك الملتفين على الدين الاسلامي لتمرير أغراضهم الشخصية، حتى نضمن صلابة الركيزة الأساسية التي من المفروض أن ينبني عليها النظام الديمقراطي في أي دولة وفق نظام الاختلاف والالتقاء من أجل المصلحة العامة لأن الاختلاف لا يفسد للود قضية في نهاية المطاف، والأكيد أن الوقت قد حان لحشد جهودنا والخروج بالقضايا الاجتماعية من المأزق الحالي الذي ترتكز على الطموح الذاتي وإرساء الثوابت الوطنية التي سالت من أجلها دماء شهداء الثورات وهي الهدف.
يمينة حمدي
كاتبة تونسية