لا يسع المرء، وهو يطالع الحوار الذي أجرته أسبوعية الأيام مع الصديق المفترض للنائبة البرلمانية آمنة ماء العينين، إلا أن يعاود ترديد “الهاشتاغ” الذي يتداوله المغاربة في منصات التواصل الاجتماعي وفي وسائط الاتصال الجماهيري وفي صفحات الإعلام البديل، والذي مؤداه ” لا تجعلوا من الحمقى مشاهير”.
فرغم أن الأسبوعية كانت صريحة مع قرائها وقالت بأن هذا الصديق المفترض كان “معروفا فقط ضمن الدائرة الضيقة للحزبيين، وأن اسمه أصبح على كل لسان مع تفجر صور النائبة البرلمانية الإسلامية”، وهي توطئة مفعمة بالصدق والموضوعية، وليس لها أكثر من قراءة سوى أننا أمام شاب مغمور، بالكاد تعرفه القلة القليلة، إما من خلال الإحالة المتكررة على زيجاته أو رفيقاته، أو من خلال اقترانه بصور ماء العينين العابرة للحدود، وذلك قبل أن يصير، بشكل مفاجئ، لقبا تلوكه الألسن في وسائل الإعلام مؤخرا.
ورغم أن الحيز الإعلامي الذي أفردته الصحيفة الأسبوعية، كان للحديث عن صور فوتوغرافية في سياق العلاقة مع البرلمانية ماء العينين، إلا أن الصديق المفترض كانت له وجهة نظر أخرى، وانبرى يتحدث عن نفسه بكثير من تضخيم الأنا، رغم أن كينونته ووجوده ارتبطا دائما بتلك الأخرى، التي كانت في إحدى المرات (زينب) وفي مرة أخرى آمنة “المجدلية”، نسبة إلى صورها الجديدة الملتقطة أمام تمثال مريم العذراء، بعيونها الكحلى وثغرها الذي يصدح بالاحمرار، ولا داعي لذكر ضحايا أخرى.
و”تضخم الأنا”، هو من جعل جليس ومؤنس البرلمانية آمنة ماء العينين يسخر من ذكاء المغاربة ويستغبيهم، محاولا تقديم نفسه “كمدافع عن الديموقراطية ودولة القانون والتدافع الحزبي”! ألم تكن السياسة دائما هي فن تدبير الاختلاف في المواقف وقبول الآخر؟ فأين كانت النبرة الديمقراطية عندما كان هذا الصديق المفترض يٌقصي حزبا سياسيا ولا يعترف ” بشيء اسمه الإسلام السياسي”، ويصف الإسلاميين بأنهم ” مجرد مرتزقة يبيعون في الدين ويشترون”. فهل إقصاء الآخر والمطالبة بتنحيته هي من صميم السياسة والدفاع عن الديمقراطية؟
والذي يزعم فجأة أنه اكتشف ” بأنه يحمل قواسم مشتركة مع الإسلاميين بخصوص المشروع الديمقراطي”! أين كانت خلفيته الديمقراطية ونبرته الإنسانية عندما كان يعتبر إسقاط حزب العدالة والتنمية عقيدة شخصية، مرتقيا بهذه العقيدة إلى مصاف الواجب الوطني.
هل كان مجرد اكتشاف متأخر أملته العلاقة اللاحقة بآمنة ماء العينين؟ أم أنه منطق السياسة الذي لا يعترف بمواقف جامدة وراسخة، ولا يعترف بأصدقاء دائمين ولا أعداء مستدامين.
فقد كان حريا بهذا الصديق المحسوب على ماء العينين في وقتنا الراهن، تحسبا لاقترانه مع أخرى في الأمد المنظور، أن يقول في معرض تبرير (تدوينته التي أعلن فيها حروبه الصليبية على الإسلام السياسي ونصب فيها محاكم التفتيش لأتباع ابن تيمية)، بأن “الراس “لي ما يدور كدية” وفق ما يقوله المثل الشعبي المغربي، لا أن يكذب دون حمرة خجل، ولا أن يراوغ بشكل مفضوح، محاولا حصر تدوينته تلك بأنها جاءت في سياق انتخابي وخلاف مع عبد الإله بنكيران، مع العلم أن هذا الأخير ورد بشكل عرضي في التدوينة، ولم يكن هو المقصود بها، وإنما امتدت لتشمل جميع مريدي الإسلام السياسي بدليل قوله “زيرو خوانجية”.
ومن مستملحات الحوار هي عندما ارتدى الصديق المفترض جبّة “محامي الشيطان”، في محاولة لتلميع وجوه يعرفها المغاربة تمام المعرفة. فهل تحتاج زينب الغزوي لمن يقدمها للمغاربة كباحثة في الثقافات المشرقية، وهي التي اقترن وجودها بدعوة نشاز للإفطار في رمضان بضواحي مدينة ابن سليمان، قبل أن تجهض السلطة مساعيها بمحطة القطار بمدينة المحمدية.
وهل هناك من لا يعرف “المفكر” إلياس صاحب قصيدة ” جبلن”، ونظرية التمييز العضوي بين الإسلام والإسلامي، ويكون عليه الانتظار حتى يأتي الصديق المفترض ليقول لنا إن الإنسانية تسمو بعلاقته الشخصية بإلياس إلى منزلة المقدس. فأي مقدس هذا الذي يسوغ للصديق أن يمرر صفقات الجهة والحزب لصديقه بعيدا عن إملاءات التجرد والحكامة.
لكن مبعث السخرية في هذا الحوار، هو عندما تحدث الصديق عن مشروعه الإبداعي مع البرلمانية ماء العينين، زاعما أن الأمر يتعلق بكتاب يوثق لحوار بين مرجعيتين متناقضتين! فعن أي تناقض يتحدث؟ ونحن نرى الصديق اليساري كيف يتقرب زلفى إلى عبد الإله بنكيران بعدما وسمه سابقا بالتكفيري، ونحن نرى أيضا المناضلة الإسلامية كيف تتجول في ساحات باريس متحررة من كل وشاح للدين ومن كل مشتملات اللباس الحزبي.