|
|
|
|
|
أضيف في 28 يناير 2019 الساعة 31 : 10
يعتبر التعليم ركيزة أساسية لترسيخ الأمن، فهو يعلم الطالب رفض كل الأفكار والسلوكيات التي قد تؤدي إلى العدوان على الممتلكات الخاصة أو العامة وسلامة فكر الإنسان من الانحراف والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهم الأمور الدينية والسياسية، من غير تعصب أو إقصاء، لكي يعيشوا بفعالية في المجتمع مع اكتساب التفكير النقدي والإبداع و تقبل العيش المشترك، فالمدرسة هي المؤسسة التي تصوغ عقيدة المجتمع وتسطر توجهاته التي تقتضي الالتزام بقيم واعراف المجتمع الذي ينتمي إليه.
كان بيت الحكمة في بغداد يعمل في الترجمة باعتباره مركزا للثقافة والتعليم وذلك في القرنين التاسع والثالث عشر، حيث ترجمت أعمال كثيرة من بينها التنجيم والرياضيات والزراعة والطب والفلسفة، وذلك استنادا إلى النصوص الفارسية والهندية واليونانية بما في ذلك أعمال فيتاغورس وأرسطو وأفلاطون وأبقراط واقليدس وغيرهم من الفلاسفة. تراكمت هناك كميات هائلة من المعرفة من خلال الاكتشافات والنظريات التي تمت ترجمتها إلى العربية بدعم من المؤسسة حيث أصبحت بغداد عاصمة الثقافة والمعرفة في ذلك العصر وأغنى مدينة في العالم، وكان عدد سكانها أكثر من مليون نسمة. ومن هناك صار بيت الحكمة مركزا لا مثيل له لدراسة العلوم الإنسانية والعلوم الأخرى منها الرياضيات وعلم الفلك والطب والكيمياء وعلم الحيوان والجغرافيا.
في شمال أفريقيا تعتبر جامعة القرويين أقدم جامعة في العالم ولا تزال تعمل إلى الآن، حيث قامت السيدة فاطمة بنت محمد الفهري القيرواني عام ٢٤٥هـ/ ٨٥٩م في مدينة فاس المغربية، من هناك تم اختراع الكراسي العلمية المتخصصة والدرجات العلمية في العالم. واستخدمت نظام التخصصات من بينها الشريعة واللغة العربية وأصول الدين ككليات اكاديمية تدرس هذه التخصصات.
أصبح التعليم اليوم أداة للتنمية الأولى مع بداية القرن الماضي تطورت العلوم بشكل سريع ومدهش حتى قيل إن مجموع ما توصل إليه الإنسان من اكتشافات واختراعات خلال القرن العشرين وحده يفوق مجموع الاكتشافات والاختراعات التي عرفتها البشرية على مدار تاريخها، ومع الوصول إلى عصرنا الحالي صار كل شيء مرتبط بالعلم ويفسر على أساسه، وأي شيء لا يفسر من منطلق علمي أصبح غير مقبول وفي أحسن الأحوال يتم التشكيك في مقدار مصداقيته.صاحب التطور العلمي والمعرفي نمو حضاري، وأصبح العلم في وقتنا مرتبطا بالحياة الإنسانية سواء بالنسبة للحاضر أو المستقبل، خاصة بعد أن أصبح للمنجزات العلمية التطبيقية تأثير عظيم في حياة الأفراد والمجتمعات. ولما كان العلم على هذا القدر من الأهمية فقد سعت الشعوب والدول لنشره بين أفرادها عن طريق إنشاء الأنظمة التعليمية لضمان استمرار تقدم عجلة الحضارة والتنمية إلى الأمام.وعلى ما تقدم؛ فهدف التعليم هو نشر العلم بين أفراد المجتمع، لكن هل يمكن للتعليم أن يصنع المعجزات إلى أداة لنشر الحضارات ملبسا إياه ثوب العلم؟ للإجابة عن هذا السؤال دعونا نلقي لمحة سريعة على نظام التعليم في بلدنا المغرب.
أستطيع القول إن ما نتلقاه اليوم في المدراس ومثله في الجامعات، هو ذلك النوع من التعليم الذي يحول الطالب من شخص مفكر بالفطرة إلى ما يشبه بالمعجزات التي تحمل أسفار التنمية على ظهرها، فلا هي استفادت من محتوى تلك الكتب ولا هي ارتاحت من مشقة الحمل، ففكرة التعليم لدينا صارت ترتكز بشكل أساسي على ابتلاع أكبر قدر من المعلومات طوال السنة الدراسية استعدادا لبصقها على وجه ورقة الامتحان في ذلك اليوم الذي حدد لتخليص الطالب من عناء الاستذكار (يوم الامتحان ).الطالب لا ينفك يتكبد عناء حفظ ذلك الكم الهائل من المعلومات طوال فترة دراسته دون أن يعمل عقله وفكره فيها، حتى إذا ما انتهى الامتحان رماها جميعا وراء ظهره، وإذا ما سألت طالبا بعد انتهاء فترة الامتحانات بعدة أيام عن تلك العلوم وجدته قد لا يستذكر منها شيئا سوى اسمها، فمفهوم التعليم قد اقتصر على الحفظ استعدادا ليوم الامتحان دون مراعاة للمنهج التجريبي والتطبيقي لتلك العلوم، حتى وإن وجد من يستذكر كل ما حفظ فإنك تجده عاجزا عن الاستفادة منها لانعدام التطبيق. وهنا يجب طرح اسئلة على الطلاب :ما هو الهدف من هذه المسيرة الجامعية.
لكن الطامة الكبرى تأتي في مرحلة ما بعد الامتحان فمستقبل الطالب المهني وفرصه في اختيار التخصص الذي سيقضي فيه بقية حياته المهنية يصبح مرهونا بنتيجة تلك الامتحانات الخالية من أي معنى سوى اختبار قوة الاستذكار والحفظ لدى الطالب بعيدا عن مراعاة رغبة الطالب وميوله الدراسية، ناهيك عن النظر إلى نوع الذكاء الذي يمتلكه الطالب حيث إنه ووفقا لعلماء النفس لا يوجد طالب غبي، بل يوجد هناك ثمانية أنواع من الذكاءات ولكل ذكاء ما يتناسب معه أكثر من التخصصات والعلوم وإذا ما درس الطالب التخصص الذي يناسب نوع الذكاء لديه فإن فرصه في النجاح في هذا التخصص ستكون كبيرة جدا في تحصيله العلمي.
لكن ومع المفهوم الضيق للتعليم المحصور في ابتلاع المعلومات دون فهم وتطبيق، لا نكون فقط قد أضعنا على الطالب أهم مراحله العمرية كما يصفها علماء النفس، بل نكون قد قضينا على آخر فرصة لديه للإبداع عندما فرضنا القيود على نوع دراسته الجامعية والتي تتكرر فيها نفس الحكاية.
في هذا السياق "المتعلمون عندنا أشخاص يذهبون إلى الجامعة عدة سنوات ويعودون منها، ويمتحنون تبعا لذلك ويأخذون التقديرات طبقا لحضورهم، ويأخذون شهادات الفراغ من الرسائل المملاة وإبدال النسخ المطبوعة إلى نسخ محفوظة أو مصورة"وبهذا نحصل على النظام التعليمي الذي يخرج لنا الموظفين والعمال والمهندسين غير المتقنين لأعمالهم مع لفت النظر إلى أن هؤلاء هم من سعيدي الحظ كونهم حصلوا على فرص عمل، أما على الجانب الآخر حيث زملاؤهم الذين لم يؤهلهم النظام التعليمي للمنافسة على فرص العمل فتحولت شهاداتهم إلى إطار للألم يعلقونه على جدار البيت، ومن هؤلاء يتكون في أسفل السلم الاجتماعي جيوش البطالة من الناقمين على أوضاعهم والمتحسرين على ضياع سنوات العمر في نظام تعليمي لم يعطهم سوى أن سلب منهم السنوات في التلقين الممل ثم أدار لهم ظهره في معركة الحياة، يقول غوستاف لوبون "اكتساب المعارف التي لا يمكن استخدامها، هي الوسيلة المؤكدة لتحويل الإنسان إلى متمرد".
وبالعودة إلى ما تحقق من إنجازات علمية ابتداء من أول القرن الماضي ووصولاَ إلى اليوم، نجد أنه مما لا شك فيه أن المنهج التجريبي كان وراء تلك الثورة العلمية، فالتعليم الجيد المبني على أسس علمية تطبيقية وتجربية يؤدي إلى مخرجات جيدة على مستوى إمتلاك المهارات وتطوير القدرات وأيضا اكتشاف وصقل المواهب، حيث إنه لا توجد طريقة أفضل من التجريب لاكتشاف الموهبة. صحيح أن التعليم الجيد قد لا يرفع من المستوى الأخلاقي عند متلقيه، لكنه على الأقل يزودهم بأدوات النجاح إذا ما أرادوا أداء الدور المناط بهم في دفع عجلة الحضارة إلى الأمام.
نحن لا نحتاج مزيدا من التكديس لمجلدات العلوم في زوايا العقل المظلمة من أنوار الفهم والإدراك لتلك العلوم، بل نحتاج إلى التجربة والتطبيق المباشر، وهو ما سيضمن الفهم الدقيق لتلك العلوم وكيفية الاستفادة منها، بل إبداع وإضافة الجديد إليها. لتعليم ينتج القوة العاملة، في إطار الجهود الرامية إلى إشباع تطلعات المواطنين من حيث توفير الهياكل الأساسية الاجتماعية والاقتصادية وإنشاء المؤسسات، وتشمل هذه المؤسسات: المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية وباقي المؤسسات المدنية الأخرى. فيجب أن تدار هذه المؤسسات من قبل المتعلمين، فيؤدي أداءها الكفء إلى تعزيز الأمن الوطني لأنه وطن مع أشخاص متعلمين تكون للدولة ثروة من النخب قادرة على صناعة القرار، حل المشكلات والشعور بالمسؤولية وهو ما يسمح بإشراك وإنتاج الإطارات في مجالات متنوعة: الخدمات الاجتماعية؛ الصحافة، التحكم بالتكنولوجيا، والهندسة السياسية، وما إلى ذلك، تختص هذه النخب بالاحتياجات اليومية للمجتمع.
الخاتمة- طالما تخيلت نفسي أصلح لأي مهنة إلا التّعليم كونه مهنة حساسة تستلزم حضورا ذهنيا ونفسيا دائما لست واثقة من توفره لديّ. ربّما كنت أراني صحافية أنهي مشواري بأن أكون كاتبة تطوع الحرف على صفحات بيضاء أجلد ذاتي على مرأى من الجميع أمر على أعطابي الهامدة أنفث فيها روحا متوجهة تقرأ على صفحات كتاب-.
سكينة عشوبة طالبة وباحثة
|
|
2420 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|