ظهر وزير الخارجية المغربي متألقاً، بليغا وبارعا كعادته، في الحوار الذي أجرته قناة الجزيرة في مكتب ناصر بوريطة الأنيق بالرباط، ورغم أن المذيع كان يحاول أن يدخل الوزير في متاهات الازمة الخليجية، ويتحايل عليه لاستخراج موقف سياسي معين تجاه السعودية، إلا أن حنكة السياسي والديبلوماسي المخضرم أحبطت كل محاولات محاوِره. والحق أن رجالات هذه الوزارة بالذات كانوا دائما مثالا للحصافة ورجاحة العقل وتمام البيان، ليس مثل بعض السفهاء. إلا أن الذي لفت الأنظار هو غياب المذيع أحمد منصور عن المشهد، حيث أن برنامج "بلا حدود" ارتبط دائما بشخصية المذيع الاخواني المثير للجدل. لكن، وكما يبدو، فحضور منصور بقدميه إلى المغرب -خاصة بعد صدور مذكرة توقيف في حقه على خلفية تهربه من توثيق زواجه "العرفي"بمغربية أهداها إليه قيادات في حزب العدالة والتنمية- يعني أن عليه بعد الحوار مباشرة أن ينتقل إلى مخافر الشرطة. ويبدو أن الفضاء الجغرافي الذي يتحرك في منصور بدأ يتقلص شيئاً فشيئاً، فهو متابع في مصر بأحكام غيابية ثقيلة تتعلق أساسا بدعمه للارهاب، كما انه لا يستطيع دخول معظم دول الشرق الاوسط، وسيظل محصورا بين قطر وتركيا.
منصور - الذي التزم الصمت بعد ما أثير عن فضيحته الاخلاقية في المغرب، والتي كشفت عن انتهازية بلا حدود وجري وراء الشهوات الجنسية بلا قيود - ليس سوى حلقة في سلسلة من الحلقات التي ربطت مشاهير الاسلاميين بكل ما له صلة بجسد المرأة ومفاتنها، وما هو بسبيل من الخلاعة وخفر الذمة ورذائل الأخلاق… إنني أشم رائحة سقوط مدوّي، لن يكون أقل درامية من هدم جدار برلين، وإرهاصات التداعي الكلي والشامل للأيديولوجيا التي فرضت على المجتمعات أسلوبا متعنتا في الحياة وطريقة رهبانية في العيش.
وبالعودة الى برنامج أحمد منصور، وعودة الجزيرة الى المغرب من بوابة الديبلوماسية بعد ان غادرتنا من باب الحروب والقلاقل، ونظرا لكون الحلقة تطرقت الى عودة العلاقات العربية مع دمشق، وهو الموضوع الذي كان يعتبر خطا أحمر بالنسبة إلى القناة التي كانت سببا في إشعال حرب أهلية في سوريا ودمار مدنيات برمتها وتحولات ديموغرافية لم يشهد لها العالم المعاصر مثيلا إلا عند مقارنتها بأعمال النازي؛ فإنها إشارات إلى أن قطر، مع ثرائها الفاحش وتعدد عملائها والأجنحة السياسية والإعلامية الموالية لها في المنطقة، لم تعد قادرة على المضي في مشروع التمكين للاسلاميين في السلطة، ولا على احتمال العزلة التي باتت تعانيها يوما بعد يوم، خصوصا وأن حليفها التركي بدأ يبعث بعلامات تدل على ضعفٍ لم يكن في الحسبان، وتعثر مباغت لمشروع الخلافة خاصة بعدما أكّدت استطلاعات الرأي أن نسبة فوزه بالانتخابات البلدية المقبلة لن تتجاوز 30 بالمائة، ولا يُستبعد أن يخسر أردوغان الدوائر الكبرى مثل أنقرة وإسطنبول.
وهاهو عجزه بات أوضح مع سقوط حليفه الفنيزويلي مادورو أمام عينيه، وهو الذي وعده بالكثير في آخر زيارة له للعاصمة كاراكاس عندما صدق السلطان غروره وظن انه بات من القوى العظمى التي تقف في وجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وربما لم يخبره أحد بأن السيف الذي أهداه إياه مادورو يومها، لم يكن سوى نسخة مقلدة لسيف سيمون بوليفار، وشتان بين الأصل والتقليد. فما هو مصير قطر خاصة، و الاسلاميين عموما في محيط عاثوا فيه فسادا إذا ما أسقط الشعب التركي ديكتاتورا إسلامويا فاشيا حكم لما يناهز العقدين؟.
طه لمخير