شيء ما ليس على مايرام لدى السيد عبد الإله ابن كيران منذ غادر رئاسة الحكومة معفيا منها لا زاهدا فيها، تستطيع إدراكه بالعين المجردة فور الاستماع لكلام الرجل منذ لحظة الإعفاء تلك.
شيء ما ليس على مايرام فعلا، كشفت عنه الخرجات المضحكة الأخيرة، وكشفت عنه طريقة الحديث العصبية عن الناس، وعدم القدرة على امتلاك بعض من التمييز بين الأمور إلى الحد الذي جعل الرجل يعتبر وصف جريدتنا للمعاش الاستثنائي المخصص له بالأمر المحرج سببا كافيا لكي ينتقدنا بالصفة التي يعتبرها مذمة لنا أي "من القلب إلى القلب" مع الحرص على القول بكل خبث واضح "بلا مانذكرو سميت ديك الجريدة".
نحن هنا في "الأحداث المغربية" لامشكل لدينا إطلاقا مع هذا السيد، وقد خبرها جيدا يوم كان رئيس حكومة، لكننا في الوقت ذاته، لا نضع لساننا في جيوبنا مثلما يقول الفرنسيون كلما تطلب الأمر ذلك، بل نخرجه طويلا ولاذعا وقادرا على إيصال الرسالة مثلما هي كلما رأينا شخصا يضع نفسه فوق البلاد، أو يعتبر أنه يحق له أن يهدد الناس بالطوفان إذا ماتم المساس به وبمصالح أتباعه.
نرى هذا الأمر عيبا وتطاولا حقيقيا على الوطن، ونرفضه، ونكتب ذلك ونمضي. لانهتم بردود الأفعال ونعتبر أن إرضاء ضميرنا ووطننا أهم من بقية التفاهات. لا ندخل في حسابات فارغة، ولا نلعب من وراء ستار أي لعبة. نواجه بكل وضوح الكون، وبكل شجاعته، ونعرف أن هذه القضية تزعج الجبناء، ونعرف أن هذه القضية تؤلم المنافقين، ونعرف أن هذه القضية لا تروق لمن ألف اللعب على كل الحبال، لذلك لا نهتم بالسباب المتناثر من الفم، خصوصا عندما يكون سبابا ناتجا عن ذلك الشيء الذي ليس على مايرام الذي تحدثنا عنه بدءا.
طيب، ما الحل اليوم لابن كيران؟ وكيف السبيل لمعالجته من هذا الشيء الذي ليس على مايرام الذي جعله يبدو بهذا المظهر المثير للشفقة فعلا في اللايفات الفيسبوكية الشبيهة بما يقترفه نيبا وسارة كول وريشار عزوز هاته الأيام، حتى أن الناس لم تعد تتردد في الضحك منه ومن لازماته وآخرها لازمة "فريد شنو جاب لينا هداك من غير الحنة والعسل؟؟؟" وغيرها من القفشات؟
الحل لدى حزب الرجل، ولدى ماتبقى من حوارييه، لأن عددهم تناقص فعلا بشكل كبير بعد إعفائه، والحل لدى من يعرفونه عن قرب لكي يطلبوا منه توقير شيبته مجددا، واحترام مكانته أو ماكانت مكانته، وعدم الانجرار السهل إلى هذا النزول الذي يؤلمنا جميعا، خصوصا وأنه كان رئيس حكومة لبلدنا لمدة خمس سنوات.
ولولا هاته الصفة التي تعنينا جميعا بمن فينا نحن في جريدة "من القلب إلى القلب" مثلما أسمانا سي عبد الإله لما أعطيناه كل هذا الاهتمام، ولما التفتنا لجلساته المصورة التي يصر من خلالها على أن يقول لمن يهمه الأمر إنه هنا وأنه لم يذهب لحال سبيله، وأنه لازال قادرا على تهديد كثير بعديد الأشياء بشكل مبطن، وبلف ودوران غريب، وبقدرة خرافية على المزج بين مالامزج بينه، على الخروج في نهاية المطاف بمظهر الناصح الأمين الذي لا يريد إلا الخير للبلاد والعباد.
هاته الصفة التي كانت لعبد الإله، والتي زالت عنه منذ الإعفاء الذي تسبب له في هذا الشيء الذي ليس على مايرام هي التي تجعلنا نشعر بحزن شديد أن رجلا بهذا المستوى من الضيق الفكري والإنساني والسياسي كان يسير شأن الناس العام في وطننا لمدة خمس سنوات كاملة.
هاته الصفة التي نالها في لحظة من لحظات الالتباس العميق، والتي أسميت الربيع العربي الكاذب هي مايعنينا، ونتمنى من القلب إلى القلب مجددا أن يمتلك البلد شجاعة التفكير في العمل على عدم تكرارها لأن تكليف مهرج بتسيير بلد في نهاية المطاف هو أمر معيب في حقنا جميعا.
واليوم الكل متفق على أن تهريج ابن كيران الذي كان مضحكا في لحظة من اللحظات وفي وقت من الأوقات لم يعد يثير إلا الابتسامة المشفقة الحزينة، التي تقول للناس جميعا إن المغرب عرف زعماء كبارا لايشق لهم غبار، ومارس السياسة منذ نعومة أظافره وإن لم يكن أبدا بلدا صغيرا وعبر مناطق زوابع كثيرة، وشاهد علامات نبوغ محلية عظمى ولم يكن يتخيل أن الزمن سيدور به حد تكليف ابن كيران بقيادة حكومته لمدة خمس سنوات، وحد الاضطرار اليوم إلى الدخول إلى الفيسبوك بعد إعفاء ابن كيران للتأكد المرة بعد الأخرى أن شيئا ما ليس على مايرام لدى هذا الرجل أولا وفي المناخ السياسي العام في البلد كله…
هذا التفصيل الذي ليس صغيرا ولا تافها هو الذي يهمنا، وعلينا اليوم العمل على تفادي الوقوع فيه مجددا بإعطاء السياسة قيمتها الحقيقية بكل جدية، والاقتناع أن قتل الأحزاب الحقيقية لصالح اللعب بالنار هو شروع في قتلنا جميعا، والإيمان مرة أخيرة وغير قابلة للنكوص بأن إعادة الحياة إلى سياسة فعلية في البلد، والبحث عن "أولاد الناس" القادرين على تمثيل المغرب خير تمثيل هو المنفذ الأفضل للإغاثة من البقاء حبيسي هذا المقلب غير الطريف جدا الذي يمثله هذا الرجل ومن على شاكلته…
باختصار ومن الأخير مثلما قالها الآخر نعرف السبب الحقيقي الذي جعل ابن كيران يقلق منا هاته المرة أكثر من المرات السابقة، ولا نرى أي بأس في ذلك، ونتمنى أن يجد من يمد له يد العون والإنقاذ، ولكننا نعرف أن الأهم بالنسبة للمغرب هو المستقبل، هو القادم، هو ماسيأتي من أيام وأشهر وأعوام، أما مامضى فضريبة أديناها بالكامل وبقي بعض فتات هانحن نحاول التعامل معه بالتي هي أحسن إلى أن يقضي رب العباد والبلاد أمرا كان بالتأكيد مفعولا….
المختار لغزيوي