طُرحَتْ في البرلمان يوم الثلاثاء 08 يناير 2019، قضية الرقية التي صارتْ أسلوبًا يحتذى للتطريق للفسق، والجريمة، والزّنا، وبيْع الأوهام للسّذج والمغفّلين من العوام؛ وخلال جوابه على سؤال للفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، حوْل انتشار ظاهرة الرّقْية، أكد وزيرُ الأوقاف أنّ مسألة الرقْية كانت معروفة، ومنتشرة من زمان، ولم يحدِّدْ هذا الزمان؛ وأضاف أنها لم تُوصَفْ بالشرعية إلاّ في العصر الحالي، ولم يحدّد مصدر هذه الشرعية أهو القرآنُ أمِ السُّنة؟ فنحن لا نجد ذكْرًا للرّقية لا في كتابٍ ولا في سنّةٍ، وإنما هي مجرّد مُحْدثة، وشرّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلّ مُحْدَثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار؛ هذا هو حُكْم الإسلام في الرُّقْية وما شابهها.. فالرُّقية هي سوق لبيع الأوهام، وطريق نحو الفسق والجريمة، ونحْوهما الواقع يشهد بذلك، وقد كان من المفروض تشتيت أعشاش بُوم الرقْية، وغِربان الشّؤم، ومَنْع الظاهرة بيد من حديد، حفاظًا على كرامة إنسان وأمّة..
المرض بشكل عام، خلق الله له دواء، حتى وإن لم يكتشَفْ بعْد هذا الدواء.. قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم: [ما أنزل الله من داء إلاّ أنزل له دواء، علِمَه مَن علِمَه، وجهِله من جَهِله]؛ ونحن كأمّة إسلامية جهلنا عدّةَ أدوية لتخلّفِنا، وكسلنا، واتّكالِنا على غيرنا، وتقاعُسِنا عن البحث العلمي، وصدق النّبي الكريم حين قال: [فضْلُ العِلْم خيرٌ من فضْل العبادة]؛ وبما أنّنا مجتمعٌ غيْر علمي، فإنّ المشعْوذين يستثمرون في جهْلنا، ويكسبون من وراء تخلّفِنا، ومنهم من يستحّل نساءَنا، فيعريهنّ، ويتاجر بصورهنّ، وإذا تمّت تعريةُ المرأة، وظهرتْ منها أماكنُ العِفّة، فإنّ الأمّة هي التي تعرّتْ في الواقع، وديسَ شرفُها، وذهبتْ كرامتُها، إذِ المرأةُ هي منبع الحياة في الأمّة، وهي رمزُ الشّرف، والعزّة، والكرامة، يا مَن ناقشتم الرّقية، ولم تتخذوا أي قرار صارمٍ لصالح الأمّة!
قال وزير الأوقاف إنّ الرقْية أمرٌ معقّدٌ، وأين يكمن هذا التعقيدُ يا معالي الوزير؟ الإسلامُ ليس فيه رقْية، ثمّ إنّ النبي الكريم كان يقول بأعلى صوته: [لا تمائمَ في الإسلام]، فماذا تريدون أكثر من هذا لتظْهَروا للأمّة أنكم مسلمون، وذوو غيرة على الأصل والنّسل؟! فهذا أمرٌ لا يحتاج إلى متخصصين، بل يحتاج إلى مناهضي البدع، والضّلال، والفسق، والخلاعة، ولكنْ ربّما، مثْل هؤلاء الرّجال، قد عزّ وجودُهم في مجتمعنا للأسف الشديد.. فلماذا سيحتاج المريضُ إلى مشعوذ، كذّاب، يدعو له، والمريضُ أقْربُ إلى الله من تاجر الرُّقْية.. قال النبيُّ الكريم: [اِسْتقْبِلوا البلاء بالدّعاء]؛ فكلّ إنسان بإمكانه أن يدعو الله مباشرةً، ولا يحتاج إلى راهب أو قسّيس كما هو في المسيحية؛ لكنْ في الإسلام، ليس بيْن الله والعباد مِن وسيط.. [رُويْدَكَ قد غَرُرْتَ وأنت حرٌّ * بصاحب حيلةٍ يعِظُ النِّساءَ. يحرِّمُ فيكُمُ الصَّهْباءَ صُبْحًا * ويَشْرَبُها على عَمدٍ مساء.. وهذه هي أخلاق المتاجرين بالدّين، وما شاكلهم من تجّار العقائد، والبدع، وأهلُ الرقْية فرعٌ منهم؛ فاحذروهم!
في بداية القرن (20)، ابتُلِيَتْ أسرةُ القيصر الروسي [نيكولا] بفاسق من أصحاب الرُّقْية يُدْعى [راسْبوتين]؛ كان يدّعي أنه يشفي المرضى، ويحقّق المعجزات، ودعواتُه مستجابة؛ فصدّقتْه زوجةُ القيصر [أليكساندرا]، وحمتْه رغمًا عنِ القيصر، لأنه كان يشفي الأمراض المستعصية، والسماء كانت تستجيب لدعواته، فيما الرجلُ كان منحلاّ، وفاسقًا، وسكّيرًا امتاز بالشراهة؛ وبالجملة كان شيطانًا في صورة بشر، فاستاءتْ منه الأمّةُ، والحكومة، حتى قتله الأمير [يوسوبُّوڤْ]، وخلّصَ البلاد منه، ومن قذارته، وقد وُجِد سكرانًا عندما أطلق عليه الأميرُ الرّصاص؛ فاستاءتْ زوجة القيصر، فيما القيصر ارتاح من فاسق استحوذ على الأسرة المالكة بكذبه، وبهلوانياته، وشعوذته، وتديُّنه الكاذب؛ وباعةُ الرُّقْية اليوم عندنا في المغرب، يشْبِهونه تماما في السلوك، والأداء الفاجر، والرذائل، والفسوق ما ظهر منه وما بطن.. قُتِل [راسبوتين] سنة (1916) في بلاط [نيكولا الثاني] في (روسيا)، وقد كُتِبتْ حوْله رواياتٌ، ومُثِّلتْ مسرحياتٌ، تبيّن كذبه، وخلاعتَه، ورذائلَه المتعدّدة..
لـمّا وصل الشيوعيون إلى سُدّة الحكْم في (روسيا)، كانوا يحْشدون الناسَ في الكنائس، ليطْلعوهم على خُدَع القساوسة والرهبان لخداع المتديّنين. كانت توضع قنّينةُ خمرٍ أحمر وراء صورة (مريم، وبيدها طفلُها الصغير السّيد المسيح عليه السلام)، فكانت زجاجة الخمر تُحرّك بطريقة معيّنة، فيخْرج الخمرُ من عَيْنَي السيدة (مريم) فكان الناسُ يصدّقون ما يرونه، ويعتبرون (مريم) تبكي هي وابنُها دمًا؛ وكذلك كانوا يفْعلون بتمثال المسيح المصلوب؛ فكان التمثال يقْطر دمًا، فيما هو مجرّد خمْر، وخدعة، لتضليل الناس؛ ولـمّا كان الحشدُ يكتشف خدعةَ الرّهبان بواسطة الشيوعيين الذين لم يكونوا يكْذبون وهم يفضحون كلّ خُدَع رجال الدّين، كان الناس يدمِّرون الكنائسَ، وتقف السلطةُ موقفَ المتفرِّج.. كانت (روسيا) كلّها تنحو نحو الإلحاد بعد اكتشاف تلك الخدع.. وعلى سلطاتنا أن تكفينا شرَّ هذه الأوكار قبْل فوات الأوان.