لحسن بوشمامة.
أن تصم السلطات الجزائرية آذانها وتستغشي ثيابها في تعاملها مع دعوة الملك محمد السادس الجزائر للتطبيع السليم للعلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، فذلك شأنها رغم أن هذا التجاهل يعتبر في حد ذاته تعبيرا عن حالة الضعف التي يعاني منها النظام الجزائري، وتجعله أسير منطق زمن الحرب الباردة، لكن أن تتطاول الحكومة الجزائرية على موقف سيادي للبرلمان الأوروبي بخصوص تصويته على الاتفاق الفلاحي مع المملكة المغربية، وتحشر نفسها في قضية لا تهمها من قريب أو بعيد، فإن ذلك يمثل قمة الوقاحة وخروجا عن سياق الاحترام الذي ينبغي أن يسود في العلاقات الدولية.
النظام الجزائري ترك قضايا الجزائر الداخلية وهو يستعد لطبخ الانتخابات الرئاسية بما يضمن استمرار تحكم العسكر في قرارات قصر المرادية، ولم يخجل من نفسه وهو يتلقى الصفعات من المنظمات الحقوقية الدولية التي أصدرت تقارير سوداء حول وضعية حقوق الإنسان ببلد المليون شهيد، واختار هذا النظام كعادته حشر أنفه في ما يهم علاقات المغرب بجيرانه الأوروبيين، وهو بذلك يؤكد بالملموس أنه يعاني من عقدة إسمها المغرب، فاللهم لا حسد.
وهل يملك النظام الجزائري أصلا الحق في الحديث عن ما يعتبره هو “استنزاف ثروات الصحراء” وهو الذي استنزف الثروات الطائلة لشعبه المستخلصة من صادرات الغاز والبترول في التسلح وفي احتضان مولودته غير الشرعية “البوليساريو”؟ وإلى أي حد وصلت النذالة بالمسؤولين الجزائريين ليغمضوا أعينهم عن معاناة فئات واسعة من الشعب الجزائري بسبب الفقر والهشاشة، بعد أن تحول جزء كبير من الثروات الجزائرية إلى أرصدة الجنرالات والمتحكمين في القرار السياسي الجزائري؟
ولعل افتقاد المسؤولين الجزائريين للبراغماتية، وعدم قراءتهم للتحولات الإقليمية والدولية خلال العقدين الأخيرين على وجه التحديد، جعلهم لا يستوعبون بعد أن مؤامرتهم التي حيكت في زمن الحرب الباردة لضرب الوحدة الترابية المغربية قد أصبحت مكشوفة أمام أنظار العالم، بعد أن أدرك الجميع بأن ما يسمى بجبهة البوليساريو هي صنيعة جزائرية، رعاها جنرالات الجزائر بالسلاح والتدريب في فترات الحرب بالصحراء، وبالدعم الدبلوماسي الذي تشتم منه رائحة أموال البترول، بل أبعد من ذلك؛ فقد تحولت الجزائر إلى خصم مباشر للمملكة في المنتديات الدولية.
ما لم تستوعبه الجزائر أيضا، هو أن ما تقوم به من مناورات وتصرفات صبيانية لن يوقف مسيرة المغرب نحو تحقيق التنمية المستدامة وتعميق مساره الديموقراطي، وبأنها ستجد نفسها في الأخير ملومة محسورة وقد ضيعت في الصيف اللبن، لأنها أضاعت فرصة اليد الممدودة من طرف المغرب الذي تحول بفضل حكمة ملكه وتظافر جهود أبنائه إلى قوة إقليمية صاعدة تحظى بوضع متقدم في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وشراكاتها المتنوعة مع القوى العالمية الكبرى.
وفي انتظار أن تعود الحكمة والتعقل لصناع القرار الجزائري ويتخلصوا من مرض جنون العظمة الذي يحجب عنهم الحقائق، سيظل المغرب متشبثا بعلاقات حسن الجوار، التي من المفروض أن تكون متبادلة بين الدولتين احتراما لرغبة الشعبين الشقيقين في التعاون والتضامن بينهما لكسب رهانات وتحديات المرحلة، بما يحقق إعادة بناء الاتحاد المغاربي الذي يعد خيارا استراتيجيا وصمام الأمان لتحقيق التنمية والأمن والاستقرار لشعوب المنطقة المغاربية.