سعيد نافع
نشرت منظمة هيومان رايتس واتش تقريرها حول وضعية حقوق الإنسان خلال سنة 2018 مع فقرة خصصت للأقاليم الجنوبية المغربية عنونها كاتبو التقرير ب‘‘المغرب والصحراء الغربية‘‘.
وتظل المفارقة الأبرز في تقرير هيومان رايتس واتش، اعترافه بكون ملاحظيها قاموا بعملهم بطريقة ‘‘نسبيا‘‘ حرة ومستقلة ودون مضايقات تذكر في المغرب و‘‘ الصحراء الغربية ‘‘، مع العودة إلى الإشارة إلى أن السلطات المغربية تواصل التضييق على باقي الجمعيات والهيئات غير الحكومية.
في نفس السياق، تواصل هذه المنظمة اتهامها للسلطات العمومية في المغرب بالتضييق على حرية الجمعيات مستعيدة حالات متفرقة لفروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، دون أن تجرؤ على الإعلان على أن حرية الجمعيات مكفولة بنص الدستور والقوانين الجاري بها العمل في المملكة، باستثناء الحالات المخالفة للقانون أصلا، والتي ترتبط بإنشاء جمعيات أو هيئات مدنية يكون هدفها المساس بالأخلاق العامة أو تمس الدين الإسلامي أو الوحدة الترابية أو المؤسسة الملكية، أو الساعية إلى ترسيخ قيم التمييز بين المغاربة. كما أن الهيئات أو المنظمات التي ترى أنها منعت ضد القانون، يظل لها الحق في رفع دعاوي لرد الاعتبار أمام العدالة الإدارية.
في الصحراء.. الكلمة للانفصاليين فقط
بنهجها الثابت ضد المغرب ومؤسساته، نسج تقرير الهيئة الأمريكية غير الحكومية على منوال سالفيه، وتعمد مرة أخرى اتهام النظام المؤسساتي والقضائي المغربي، وتجريده من كل أشكال التحديث والإصلاح التي انخرط فيها منذ سنوات، متخذا كعادته، من واجهة حقوق الإنسان معلقا كل ما بادر به المغرب في هذا الباب، على مسلخ تصوره الخاص جدا للأحداث والأمور. هكذا كرر التقرير الذي يمكن اعتباره نسخة كربونية لسابقيه، ووفق خطه التحريري المعادي للمملكة، مقاربته الذاتية لموضوع حقوقو الإنسان بالمغرب، مستهدفا تجريد المغرب من كل المكتسبات الحقوقية التي راكمها خلال السنوات الأخيرة.
ويبدو الانحياز ضد المغرب واضحا من خلال معالجة هيومان رايتس واتش للقضية الوطنية، التي سارت على نفس منهاج التقارير السابقة المعادية للوحدة الترابية للمملكة المغربية، عبر استعمال آليات تحليل مجانبة للحرفية والمهنية، ظهرت بوادرها الأولى من خلال الطريقة التي تعامل بها مبعوثا المنظمة إلى الأقاليم الصحراوية ‘‘أحمد رضا بنشمسي ‘‘ و ‘‘فيروز يوسفي‘‘ الذين حلا بالعيون ما بين 27 و 30 غشت الماضي، والتقيا فقط بالمنافحين عن الطرح الانفصالي في الصحراء.
كانت تلك هي الوسيلة ‘‘العملية‘‘ التي اعتمدتها هيومان رايتس واتش في ديباجة تقريرها بالاعتماد فقط على المعلومات التي يقدمها دعاة الانفصال في الصحراء المغربية، الذين اعتادوا تكرير نفس الاسطوانة : المنع الممنهج للتجمعات المساندة لتقرير المصير، والتضييق على عمل الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان عبر منعها من الحصول على التراخيص، والمعاملة السيئة ضد المناضلين أو الصحفيين سواء بالشارع العام أو في مراكز الاعتقال.
وتورط التقرير السنوي لمنظمة هيومان رايتس واتش في تقديم معلومات مغلوطة للرأي العام الدولي والهيئات الأممية، حيث أشار إلى أن محمد سالم ميارة ومحمد الجوماعي مازالا يقضيان مدتهما الحبسية في الأحكام المتعلقة بالمتورطين بأحداث كديم ايزيك، في الوقت الذي غادرا فيه السجن في 27 شتنبر الماضي. ولم تكن هذه المغالطة الوحيدة في تقرير منظمة هيومان رايتس واتش حيث قدم التقرير كلا من محمد سالم ميارة ومحمد الجوماعي على أنهما صحفيان، في الوقت الذي ثبت فيه بالدلائل تورطهما في أحداث المخيم العام 2011.
وفي محاولة للمنظمة في إعطاء صورة قاتمة حول أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء، جريا على عادتها كل سنة، ودون تقديم دلائل ملمسة أو معطيات ثابتة، حاول التقرير إسقاط التهم الثقيلة التي توبع بها المتورطون في ملف كديم ايزيك، تحت مصوغات كثيرة راعت كل شيء إلا الدقة والمهنية، حيث تعمدت تجميع المعلومات ومقاطعتها، وقررت أن تنسب للمتهمين وظائف ومشاغل لا أساس لها من الصحة، كانتمائهم للجسم الصحفي مثلا أو تواجدهم في مسرح الجرائم، كمنشطين لدورات حقوق الإنسان، على الرغم من الإجماع الذي حظيت به محاكمتهم في مسارها الاستئنافي بالرباط من كل شروط المحاكمة العادلة، وحسب تقارير حقوقية وقانونية دولية وملاحظين من مختلف دول العالم.
الريف وجرادة.. شهادات اختيارية
واصل تقرير هيومان رايتش واتش انحيازه السافر ضد المغرب، ومؤسساته القضائية والأمنية في مقاربته لمحاكمة المتورطين في أعمال الشغب والفوضي في ما سمي بحراك الريف بالحسيمة، ومن خلال تبني تقارير تتحاشى الموضوعية المطلوبة في عمل المكلفين ب‘‘المونيتورينغ‘‘ في تقارير حقوق الإنسان التي تتبجح بالدفاع عليها، عبر إسقاط كل تقاطع للمعلومات أو تدقيق في الاتهامات ضد المؤسسات المعنية بالأحداث التي شهدتها المنطقة، مكتفية بالاستناد على ملاحظات لشهود عيان مفترضين.
الانحياز الصارخ للتقرير يبلغ ذروته من خلال الاستعادة العشوائية للاتهامات التي روجها مؤججوا الاحتجاجات في الريف في المحاضر، والتي ادعوا من خلالها أن اعترافاتهم جاءت نتيجة الضغط و التعذيب الذي تعرضوا له، والتجاهل المقصود لباقي الأدلة، كالشهادات التي تؤكد ضلوعهم في الأعمال المنسوبة إليهم، والتسجيلات الصوتية والمرئية والصور، والمواد المنشورة عبر الانترنيت، ومحاضر الاستماع للمكالمات الهاتفية التي قدمتها النيابة العامة.
وإمعانا في نفس النهج المنحاز، تعمد تقرير المنظمة الأمريكية الإساءة للعدالة المغربية واصفا محاكمة المتورطين في أحداث الريف بغير العادلة، مذكرة برفضها الاعتماد على خبرة طبية أجراها طبيبان مرخص لهما من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أثبتت أن 19 معتقلا حملوا آثارا ترتبط بما أسموه بالتجاوزات الأمنية، وهي الخبرة التي أعلن المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن طابعها غير الرسمي ).
فيما يتعلق بأحداث جرادة، اختار تقرير هيومان رايتس واتش المغالطة مرة أخرى، عبر الخلط بين طابع الاحتجاجات الاجتماعية التي همت المنطقة لأيام وأسابيع دون مشاكل تذكر، وبين المواجهات التي انخرط فيها عدد من المحتجين في رشق قوات الأمن بالحجارة، واصفة الأحداث ‘‘بالقمع الأمني‘‘، ومكتفية بشهادات جمعتها من ناشطين محليين ومحامين للمعتقلين على خلفية أحداث العنف وشهود عيان من المنطقة حول ‘‘اقتحامات للمنازل وتكسير للأبواب‘‘ ودون أدنى مجهود لمقاطعة المعلومات الواردة فيها مع المحاضر الأمنية والصور والفيديوهات التي توثق لعمليات الاعتداء التي راح ضحيتها قوات الأمن ومعداتهم وآلياتهم.
حرية التعبير والصحافة.. رؤية خاصة جدا
الملاحظ أن تقرير هيومان رايتس واتش الذي يحاول أن يفرض على المغرب تصورا للحرية على مقاسه، يتناسى قصدا أن دستور البلاد ينص على أن ثوابت المملكة الأساسية هي الدين الإسلامي والمؤسسة الملكية والسيادة الكاملة للمغرب على ترابه. جاء في التقرير ‘‘شهد قانون الصحافة والنشر الذي تمت المصادقة عليه في يوليوز 2016 إلغاء الأجكام السالبة للحرية في حق الصحفيين، لكن الصحفيين مازالوا يتابعون بتهم أخرى تهم القانون الجنائي، حتى فيما يتعلق بتجاوزات ترتبط بالنشر فقط أو بطريقة تعبير غير عنيفة، مثلا عندما يتعلق الأمر بمواد صحفية أو مقالات رأي تنتقد الدين الإسلامي أو المؤسسة الملكية أو الوحدة الترابية في المغرب‘‘.
وإمعانا في المغالطة مرة أخرى، اختار التقرير اعتماد وجهات نظر أحادية بنى عليها أحكامه الجاهزة والمعروفة سلفا، حين اتهم السلطات المغربية بمتابعة صحفيين ومدونين في جرائم تدخل في باب القانون الجنائي ولا علاقة لها البتة بالصحافة، كحالة مرتضى اعمراشن الذي قدم للعدالة على أنه الناطق الرسمي باسم حراك الريف، والذي اتهم السلطات بانتزاع اعترافاته تحت التعذيب.
وعاد التقرير إلى حالة الصحفي حميد المهداوي مدير نشر موقع بديل، والذي صدر في حقه حكم بثلاث سنوات سجنا نافذة، لعدم تبليغه عن معلومات خطيرة خصه بها أحد نشطاء حراك الريف بالخارج، والذي أخطره أنه كان على وشك إشعال نزاع مسلح بالمغرب. تقرير هيومان رايتس واتش، وأمام عدم وجود ما تعتمده من إفادات خاصة جدا حول الموضوع، اكتفت بالإشارة إلى رفض المحكمة قبول ما ذهب إليه دفاع المهداوي من كون التهم التي يتابع بها، تنبني على معلومات غير ذات مصداقية تتعلق بالشخص المقيم بالخارج.