عُرِفَتِ السنيـنُ الأخيرة بفتاوى أطْلقها علماء يعانون من البطالة، ومن عدم القدرة، والجرأة على التعاطي مع قضايا تهمّ المجتمع نظرًا لأهمّيتها ولخطورتها إنْ هي أُهمِلتْ وغُضَّ عنها الطّرفُ؛ وأمّتُنا للأسف الشديد، تفتقر إلى هذا النوع من العلماء الأجِلاّء، والفقهاء الأكفاء، والخطباء الأقوياء في كلمة الحق.. لكنّ الأمّة ابتُليَتْ بشرْذِمة من باعة الفتاوى التّافهة، التي هي أقْرب إلى الهذَيان منها إلى فتوى تتميّز بالحكمة، والعقلانية والجرأة؛ ومعلوم أنّ الهذيان هو خللٌ عقليٌ مؤقّتٌ، يتميّز باختلاط أحوال الشعور، وكثرة الصّور الذِّهنية، التي تجعل صاحبَها في الغالب مُهَلْوَس العقل، يتصوّر أشياء غريبة لا وجود لها في الواقع، فيجعل منها مشكلةً اجتماعية، فيجد لها فتوى تحذّر منها وتعالجها في وقت تُهمَل القضايا الموضوعيةُ، والحقيقية، التي هي أولى بالفتاوى.. وأصحابُ هذه الفتاوى التافهة، يضْمِرون في حقيقة الأمر، أفعالا عنيفة، وأفكارا شاذّة، تنطوي عليها أنفسُهم، ممّا كان يحتّم أن يخضعوا لطبيب نفساني قبْل أن يلجوا ميدانَ الدّين؛ فلو كان رجال الدّين يخضعون بموجب قانون للفحص النفسي، لتفادى المجتمعُ عدّة مشاكل كان الأصلُ فيها هؤلاء المنْدَسِّين في ميدان الدّين، وهم يعانون من انفصام في الشخصية، ويفتقرون إلى التوازن العقلي، والنّفسي، وكَمْ منهم وَلج الوظيفةَ بالوساطات، والتدخلات، وقسْ على ذلك..
لـمّا قال [سِيغْموند فرويد] إنّ رجالَ الدّين هم مجرّد دُمًى تحرِّكها الغرائزُ، وكنتُ أكتب أو أذْكر هذه العبارة، كان يقال لي: [اِتَّقِ الله يا رجُل، ما هذا الكلام!]؛ ولكنْ لـمّا بدا أنّ بعض الـمُتأنّقين بوشاح الدّين الزائف، يرتكبون المعاصي، ويتعاطون المخازي مِن زِنا، واغتصاب، واستدراج للصّبايا، ومراودة النساء على أنفسهنّ، إلى جانب الشذوذ في أقدس الأماكن، ناهيك عن ممارسة السّحر، والشعوذة، والتّمائم، بدعوى التّطبيب، والشّفاء من الأمراض الجسدية والنفسية، إلى جانب فكِّ عُقد الحظّ التعيس، والعُنوسة، والبطالة، والرّسوب في الامتحانات، وهي كلّها أكاذيب يضْحكون بها على السّذج والبلهاء مقابل مَبالغَ مالية، عندها أدرك الناسُ خطورة هؤلاء، ومن أبرزِ الغرائز حيويةً ونشاطًا في أجسادهم وعقولهم، الغريزة الجنسية، إلى جانب الغريزة البَطْنية، والجَيْبيَة؛ فكيف لا يكون [فرويد] صادقًا في قولته الشهيرة، وهذا مثلاً [البابا الثاني عشر] توفي بسبب إفراطه الجنسي أثناء نومه مع إحدى عشيقاته؟ كيف لا يكون [فرويد] صادقًا، وأمام [البابا فرانسيس] عشرات الملفّات لرهبان مارسوا الشذوذَ على صبيان في الكنائس هنا وهناك؟ كيف لا يكون [فرويد] صادقا وأمام محاكمنا ملفّاتُ قضايا الاغتصاب لصبيات من طرف أباليس يختفون خلْف اللِّحا والقلانيس؟ أجيبوني أنتم ولكم كلُّ الفضل.
أما في ميدان الفتاوى، فلهم إمتاعٌ، وإبداع، ومؤانسة، كيف ذلك؟ ففي سنة (2017) راجتْ فتوى لفتت الانتباه لغرابتها وشذوذها، ومفادُها هو أنّ الزوجَ يجوز له مضاجعةُ زوْجته الميّتة، وأسموا هذه المضاجعة بمضاجعة الوداع، والله أكبر، وسبحان الله، وأعزّ الله العلمَ والعلماء، ونفعنا الله بعلمهم، وهدانا بفتاويهم، وصدَق من قال: [إذا زلَّ العالِم، زَلَّ العالَم].. وفي سنة (2018) طلعت فتوى أفظع وأنكى بخصوص الزوجة المسكينة، مفادُها أنّ الزوج يجوز له أن يأكل زوجتَه، وخاصّة أطرافَها، لكنْ دون شيِّها احتراما لكرامتها، وهنا اكتملت الفتوى الناقصة، وصارت كاملةً بحيث بعْد مضاجعتِها مضاجعة الوداع، يجوز للزّوج أكْلُها.. وفي مطلع سنة (2019) طلعتْ فتوى في بلادنا تقول إنّ الاحتفال بأعياد رأس السنة حرام، فوصفوه بانعدام المروءة، وهذا ما يقوم الإرهابيون بتأويله فيستنتجون أنّ المجتمع كافر، وغيْر مسلم، ممّا يبرّر الإرهاب، والقتل، وكافّة الجرائم التي تكتسي صبغةً دينية زائفة..
كان من المفروض استدعاءُ أصحاب هذه الفتوى، للتحقيق معهم، ومن كان عضوًا في مجلس علمي وجب فصلُه فورًا.. فأعياد رأس السنة لم تعدْ لها علاقةٌ بالدّين، بل صارت عادةً، أو كما يسمّيها [الإمامُ مالك]: (المصالح الـمُرْسلَة)؛ وإلاّ فما قوْلهم في عيد الشغل في فاتح ماي، وقد صار عيدًا وعطلة في كافة أنحاء العالم؟ وهذه الصّين، وهذه كوريا الشّمالية،. وكلاهما تحتفلان بفاتح السّنة الجديدة، وهُما ليْستَا دولتيْن مسيحيتيْن؛ فما قولُهم في هذه الظّاهرة؟ لكنْ لماذا لا يُصْدرون فتوى بخصوص من يريدون تطْبيع الشّذوذ، والزّواج الـمِثْلي في البلاد؟ لماذا لم نسمع عن فتوى بخصوص مَن يريدون إلغاءَ عقوبة الإعدام، ثمّ ما هي فتواهم بخصوص الإرث؟ لماذا لا يُصْدِرون فتوى تحرّم الانتقاصَ من أجرِ الموظّف والكادح، وخصْم الثّلث من تعويضات الشّيخ المتقاعد، مع العلم أنّ المسّ بأقوات المسلمين حرام في بلد المسلمين؛ فلماذا لا يُفْتون بهذا الخصوص؟