طلع مقالٌ في الصفحة الأولى بجريدة (النهار المغربية) ليوم الخميس (27 دجنبر 2018) عدد: (4455) بعنوان: [التطبيع مع الإرهاب والمراجعات "الـمُحَشَّشَة"]، وكان المقال مهمّا وملفتًا للانتباه بلا شكّ؛ لكنّ هذا المقال كان له عليَّ تأثيرٌ كبير لا يُنْكَر، نظرا للأسئلة التي تهاطلتْ عليّ بعد قراءته، ممّا كلّفني ليلةَ بحثٍ مُظْنية في ركام المراجع لجمْع الموادّ، ناهيك عن جمْعها في وحدة اسمها المقالة؛ وهذه الأسئلة تمحورتْ حوْل الحشيش وكافّة المواد المخدّرة، ودورُها في الفنّ والسياسة، والديّن، والحروب، وهل ذُكِرتْ في التاريخ القديم والحديث؟ مجملُ القول، إنّ مهمّتي كانت صعبة، والبحث كان متعبًا، والتوفيق كان مشكوكًا فيه؛ ومع ذلك.. فبخصوص السؤال الأول الذي استبدّ بي، ولم أجدْ منه فكاكًا عن علاقة المخدرات بالمغنّين، أذكر أنّ أوّل فنّان كان ضحية (الماريخوانا) هو عازف القيثارة الكهربائية (دجيمي هاندريكس)، وقد مات خلال حفل موسيقي سنة (1970) بسبب تعاطيه المخدّرات.. وهناك مغنٍّ آخر شهير، هو (دجو كوكر) الذي كانت موسيقاه تجمع بين (الرّوك والبلوز) وقد اختفى من الساحة الفنّية لمدة خمس سنوات، حيث لزم بيتَه، وكافح تأثير المخدّرات، وقد أفلح، فعاد إلى الساحة الفنية سنة (1985) وأبدع ألبومات رائعة.. وهناك كذلك مغنّي (الرّيغي) الجمايكي (بوب مارلي) الذي مات بسبب المخدّرات، وقبْله ملكُ الرّوك (إلْفيس بريسلي) وقد سبق (بوب مارلي) إلى القبر بسنة واحدة، أي سنة (1977)، وهناك آخرون، والرقعة لا تكفي..
لكنْ ما علاقة "الحشيش" بالسياسة؟ لقد لعبتِ "الحشيشُ" دورًا رهيبًا في السياسة، حيث كان تجار المخدّرات يموّلون الأحزابَ، ويُصْلحون مقراتِها، وينفقون على حملاتها الانتخابية، وكان الرئيس الأمريكي (جورج بوش الأب) صديقًا للحشّاش [نورييغا]، حتى لإنّه مكّنه من الوصول إلى رئاسة [بانما] وكان يغضّ الطرفَ عن المخدّرات التي كان يصدّرها الجنيرالُ [نورييغا] إلى (أمريكا) و(أوربّا) مقابل السّماح لأمريكا بإقامة مراكز التعذيب في [بانما] إلى جانب التجسّس الذي كان يمارسه [نورييغا] لحساب (السّي ـ آي ـ ئي)؛ كما لا ننسى أنّ تاجر المخدّرات الشهير (إيسكوبار) في (كولومبيا) دخل البرلمان، ولـمّا صار يدافع عن تجّار المخدّرات، طُرِد من البرلمان، فتحوّل إلى (الإرهاب) كانتقام؛ ومعلوم أن تجّار المخدرات المدارس، والمستشفيات، ومساكن للفقراء في (كولومبيا)، وقد استفادتْ منظّمةُ (الفارك) الإرهابية من أموال المخدّرات في شراء الأسلحة، وفي إغراء حتى عناصر من الجيش الكولومبي لخدْمتها كما أغرتْ سياسيين ومسؤولين..
كانت حركة (طالبان) في (أفغانستان) ترتكز على محاصيل حقول (الحشيش) لشراء الأسلحة، وكانت على علاقة وما تزال بتجّار السلاح في الغرب، وكان علماؤُها الزنادقة يفتون بإباحة المتاجرة في المخدّرات، ما دامت تساعد على استمرار الإرهاب الذي يسمّى (جهادًا)، وهذا أمرٌ غريب وبعيد عن الإسلام الحقيقي الذي صار في خبر "كان".. .
وقد يسألني القارئُ الكريم إنْ كان التاريخ الحديث قد ذكر المخدّرات واستعمالاتها؟ الجواب: نعم؛ وبكلّ تأكيد؛ كيف ذلك؟ كان في (برلين) طبيبٌ مغمور اسمه الدكتور [موريل]، وكان الأطبّاء يعتبرونه مجرّد [مُشَعْوِذ]؛ وذات يوم، حضر بصحبة صديق له إلى مقرّ [هتلر] في (البِرْغهوف)، فقابل [موريل] الزعيمَ النازي، فاتّخذَه طبيبًا خاصّا له.. كان [هتلر] يعاني من آلام شديدة، إلى جانب تَليُّثٍ شرياني في الكبد، فكان [موريل] يعالجه بأدوية مدارية غريبة؛ ولـمّا لم تعدْ تنفع، التجأ إلى المخدّرات، فكانت تهدّئ [هتلر] ممّا جعله يتّخذ قرارات غريبة أدّت إلى كارثة، وكان هذا المخدّر القويّ عبارةً عن أقراص مهلوسة اسمُها [بيرڤيتين].. سقط قرصٌ منها في يد [هِمْلَر]، قائد قوّات (إيس ــ إيس) الرّهيبة فجرَّبه، فأمر مختبرًا بإنتاجه، فبدأ يعطيه لقوات (إيس ــ إيس)، ممّا جعلها ترتكب مجازر في [أوكرانيا] سنة (1941)، حيث كان يُلقَى حتى بالأطفال في النار.. وبعد الحرب، أُلقيَ القبضُ على الدكتور [موريل] ثم أطلِقَ سراحُه في نفس اليوم، وعاد إلى عيادته بعْد ترميمها، مازالت هذه العيادةُ تشتغل في قلب [برلين]، وقد تناوب عليها عدةُ أطبّاء ألمان..
لكنْ هل ذكر التاريخُ القديم شيئًا عن الحشيش؟ الجواب: نعم؛ في القرن الحادي عشر، وبالضبط في سنة (1094 ميلادية) موافق (487 هجرية) انقسمتِ الطائفةُ الإسماعيلية المذهب بعد وفاة الإمام الفاطمي (المستنصر بالله) إلى فرقتـيْـن: (النِّزارية) التي تمسّكتْ بإمامة ابنه (نزار)؛ و(الـمُسْتَعْلية) التي سارت وراء ابنه الآخر (المسْتعلي) وسانده (الحسن بنُ الصّباح) الذي كان موجودًا آنذاك في (مصر).. (نزار) هذا، غادر البلادَ إلى (الشام) بسبب المضايقة، ومنها ذهب إلى (فارس)، واستقرّ في قلعة (ألموت)، وأخذ يدعو إلى إمامة (نزار)، فسمِّي أتباعُه [الإسماعليون النزاريون]، كما سُمُّوا [الباطنية] بفعل تفسيرهم تعاليمَ الشريعة الإسلامية تفسيرا باطنيا، كما سُمُّوا [الحشيشية] لأنّهم كانوا يتعاطون للحشيش.. والشائع أنّ (الحسن بن الصّباح) كان يعطي أتباعَه الحشيشَ، ثم يرسلهم لمهمّات انتحارية لقتل أعداء الطائفة من سنّة وشيعة، وتدمير مساجدهم وقتْل المصلّين بعد أن يسري مفعول الحشيش عليهم، وكانت تلكم أول العمليات الإرهابية بفعل الحشيش في التاريخ.. اُنظر كتاب (تاريخ الحروب الصّليبية)؛ صفحة (188)..