|
|
|
|
|
أضيف في 18 يناير 2019 الساعة 33 : 11
نالت المرأة المغربية حقوقا شتى خلال العقدين الأخيرين؛ سواء تعلق الأمر بمنح الجنسية للأبناء أو بفرض قيود على تعدد الزوجات، لكن نشطاء ومثقفين يرون أن المسيرة لاتزال تستدعي خطوات إضافية حتى وإن كانت بعض الأصوات المحافظة تبدي توجسا إزاء هذه التغييرات المتلاحقة. ويعتبر الساسة المغاربة مدونة الأسرة التي جرى إقرارها سنة 2018 بمثابة الخطوة الأهم لتعزيز حقوق المرأة؛ فبموجب هذا التشريع لم يعد بوسع الرجل أن يتزوج لمرة ثانية أو أكثر إلا بعد تقديم عذر وجيه أمام المحكمة كما أن التعدد صار رهينا بعدة شروط مثل موقف الزوجة الأولى وإمكانيات الرجل المادية. موازاة مع ذلك، تم تسهيل إجراءات الزواج أمام المرأة فصار بوسع من تبلغ 18 سنة أن تعقد القران دون حاجة إلى وصي، وفي المنحى نفسه فُرضت قيود على زواج القاصرات لأجل مكافحة معضلات اجتماعية من قبيل انقطاع الفتيات عن الدراسة وتفاقم مشاكل صحية بسبب العلاقة الجنسية والولادة المبكرتين. وفي 2007، أجرى المغرب تعديلا قانونيا أتاح منح الجنسية لأبناء المغربيات المولودين من أجانب، ويشير وزراء ومسؤولون مغاربة في الوقت الحالي إلى ضرورة المضي قدما من خلال إجراء تعديل ثان يتيح للمغربية أن تخول زوجها الأجنبي نيل الجنسية على اعتبار أن الرجل المغربي يخول لزوجته الأجنبية نيل الجنسية المغربية. وعام 2014، ألغى المغرب فقرة مثيرة من الفصل 475 من القانون الجنائي الذي كان يعفي المغتصب من العقاب إذا تزوج بضحيته، وأثارت هذه المادة جدلا واسعا بعد انتحار فتاة تسمى أمينة الفيلالي (16 عاما ) عن طريق تناول سم الفئران إثر إجبارها على الزواج من شخص قام باغتصابها. واعتبرت منظمات مدافعة عن حقوق المرأة الفقرة التي تسمح للمغتصب بالزواج من ضحيته بمثابة عنف ضد المرأة، على اعتبار أن بعض الأسر تلجأ إليه لأجل طمس حوادث الاعتداء الجنسي حتى وإن جرى ذلك على حساب التوازن النفسي للمرأة التي ستضطر إلى العيش مع الوحش الذي قام بنهشها وتعنيفها. وعلى المستوى السياسي، ينص القانون في المغرب على تخصيص 60 مقعدا للنساء في إطار ما يعرفُ بـ"التمييز الإيجابي"، لكن المرأة تستطيع الترشيح في قوائم عادية إلى جانب الرجال، وبفضل هذا التغيير، وصلت 80 امرأة إلى مجلس النواب الذي يضم في المجمل 359 مقعدا بعد إقرار دستور 2011. ويرى منتقدو هذه الصيغة الانتخابية أنها تجعل النساء معتمدات على ريع محسوم وبالتالي فهن لا يخضن غمار السياسة لإقناع الناخبين بمشاريع مجتمعية، فيما يفترض أن تكون هذه الكوتا بمثابة إجراء مؤقت يعبد الطريق أمام وصول النساء للبرلمان عن جدارة وتنافس حقيقين. تحديات وجدل تشغل عدة نساء حقائب وزارية في الحكومة المغربية، خلال الوقت الحالي، كما تتولى أخريات مناصب كبرى في الداخلية والقضاء والديبلوماسية لكن النقاش الدائر بشأن حقوق المرأة في المغرب ما زال يخوض في عدد من القضايا الشائكة مثل المساواة في الإرث وحق المغربية في الزواج من غير المسلم. ويخضع هذا النقاش حول المرأة لتجاذب ثلتين اثنتين في المجتمع المغربي؛ ثلة ترى أن المغرب تعهد باحترام حقوق الإنسان في ضوء المتعارف كونيا وبالتالي فمن الأولى أن يكون السمو للمواثيق الدولية التي تلغي كافة الفروق بين الرجل والمرأة، لكن الثلة الأخرى تشير إلى تنصيص دستور المغرب على كون المملكة بلدا إسلاميا وبالتالي، لا مجال لإعمال المعاهدات دون الالتفات إلى خصوصية المجتمع. لكن هذا الحديث عن خصوصية المجتمع لا تسلم من الانتقادات فالرافضون "الحداثيون" يقولون إن مدونة المرأة نفسها واجهت الانتقادات في البداية بسبب مضامينها المتقدمة، ومع ذلك، خفتت الأصوات الناقمة على التشريع حين أصبح أمرا واقعا حتى وإن كانت بعض المشاكل الأسرية ما تزال قائمة حتى يومنا هذا مثل زواج القاصرات. ويقول المتريثون إن التغيير المطلوب لن يتحقق بين عشية وضحاها ما لم تحصل نقلة نوعية على مستوى عقلية المجتمع في نظره إلى المرأة، فقبل عقود قليلة، كانت الفتاة المغربية في البوادي تواجه عراقيل حين تهم بدخول المدرسة لكن كثيرات أضحين يتابعن الدراسة حتى المرحلة الجامعية في يومنا هذا، ويقول أنصار هذا الطرح إن "العلاج بالصدمة" قد يؤدي إلى نتائج عكسية لأن من شأن فرض "تشريعات" أن يثير ردود فعل ناقمة. أما على الصعيد السياسي، فيقول منتقدو "الكوتا" إن ضعف تمثيل النساء بالبرلمان ناجم عن عدم التصويت لهن في الشارع، أما القانون فيسمح للمرأة بأن تقدم ترشحها بصورة عادية، وما قيل عن نسبة النساء في المؤسسة التشريعية ينطبق أيضا على برلمانات كثيرة في العالم إذ ما تزال النساء أقلية في هذه المؤسسة التمثيلية في أكثر الأحيان. وتتُهم أصوات من "الإسلام السياسي" بالركوب على قضايا المرأة لأجل كسب شعبية في الشارع، وهنا يستحضر المجتمع المغربي مسيرة ضخمة خرجت بمدينة الدار البيضاء، أكبر مدن البلاد، في الثاني عشر من مارس 2000 احتجاجا على "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" وفي المقابل، خرجت في العاصمة الرباط وقتئذ حشود أخرى تدافع عن إنصاف المرأة. السيدة الحرة وتعزف تنظيمات "الإسلام السياسي" في الغالب على وتر قضايا المرأة لأجل تهويل الخطر المحدق بالهوية فيما تقول ثلة واسعة من المغاربة إن المرأة اضطلعت دائما بدور كبير في تاريخ البلاد. وحكمت امرأة تسمى السيدة الحرة منطقة تطوان وشفشاون في شمال المغرب قبل خمسة قرون، أما النكوص الذي حصل في فترة لاحقة فيجري العمل على جبره في اللحظة الراهنة ولن تحول الأصوات المحافظة دون تحققه.
المرأة المغربية صانعة التاريخ بين الحفاظ على أصالتها والسعي قدما إلى إثبات وجودها.
بين الحفاظ على هويتها وأصالتها والسعي قدما إلى إثبات وجودها، تسعى المرأة المغربية للحفاظ على مكتسباتها التي تحصلت عليها بفضل جهودها المضنية وكفاحها المستمر لبلوغ مرادها وهدم الصورة النمطية في مجتمع ذكوري تسيطر على أفكاره نظرة دونية لها وإلى منجزاتها.
ساهمت المرأة المغربية جنبا إلى جنب مع الرجل في استقلال المغرب وفي تنمية المملكة ولعبت أدوارًا قيادية في جميع المجالات، رغم المساعي الرجعية التي تبغي عرقلة مسيرتها، وسجلت منذ عصور خلت حضورا متميزا وحققت إنجازات هامة وثّقها التاريخ، فكانت رائدة في جميع المجالات الاجتماعية منها والثقافية والسياسية والاقتصادية والفنية وحتى المقاولات، وتحدت سطوة المجتمع الذكوري الذي لا يؤمن أغلبه بأن للمرأة دورا إنسانيا و اجتماعيا و فكريا وثقافي أكبر من دورها الطبيعي.
وفرضت المرأة المغربية وجودها بشكل قوي في مجالات كانت حكرا على الرجال وتقلدت مناصب مرموقة محليا ودوليا.وهي في حركة دؤوبة للحفاظ على مكتسباتها وتطوير نفسها ومن ثمة تطوير مجتمعها وما انفكت تثبت كفاءتها وتميزها على الصعيدين المحلي والدولي.
ولا يمكن تجاهل دور الحركة النسائية والحقوقية والديمقراطية التي آمنت بدور المرأة ومكانتها وطالبت وناضلت من أجل الحصول على حقوقها وإخراجها من بوتقة التمييز والإقصاء والتهميش، ورغم المكانة التي بلغتها والحقوق التي تحصلت عليها والتي كفلها الدستور والقوانين إلا أن الناشطات في مجال حقوق المرأة يعتبرونها غير كافية في ما يخص المساواة بين النساء والرجال، وتعرض النساء إلى العنف.
ولا يخفى الدور الحاسم الذي تقوم به المرأة المغربية في المجالات التنموية من خلال انخراطها المباشر في العملية الإنتاجية، وفي رعاية الأسرة والحفاظ على تماسكها، أسماء عديدة دوّنها التاريخ على مر العصور مثل كنزة الأوروبية، ابنة زعيم قبيلة أوربة الأمازيغية، وزوجة المولى إدريس الأول، كان لها دور هام في إرساء قواعد دولة الأدارسة. وكانت زينت النفزاوية، سندا لزوجها يوسف بن تاشفين مؤسس الدولة المرابطية، الذي يرجع بعض المؤرخين نجاحه وإنجازاته، في جزء كبير منها، إلى هذه المرأة. كما عرف تاريخ المغرب، منذ القدم، حضور المرأة وانخراطها في الشأن الديني، مثل خديجة بنت الإمام سحنون ذات الثقافة الدينية القوية والمتحررة من قيود المتزمتين في العصر المرابطي بالغرب الإسلامي، كما كانت تميمة بنت السلطان المغربي يوسف بن تاشفين، من البارعات في علم الدين، كذلك كانت أمّ عمرو بن زهر أختُ الطبيب المشهور أبي بكر بن زهر ماهرة في الطب النظري والعَمَلي.وفي العصر المريني بالمغرب، اشتهرت نساء عالمات، منهن الفقيهة أم هاني بنت محمد العبدوسي، والأديبة العالمة صفية العزفية. وفي العصر السعدي بالمغرب أيضا، اشتهرت نساء عالمات، منهنّ مسعودة الوزكتية التي اعتنت بإصلاح السبل، وبنت القناطر والجسور والمدارس.
واشتهرت نساء عالمات في عصر الدولة العلوية التي تأسست في المغرب في القرن السابع عشر الميلادي، ومنهن الأميرة خناثة بنت بكار، ورقيّة بنت بن العايش، وصفية بنت المختار الشنقيطية.وعديدة هي النماذج المتميزة لإسهامات المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والثقافية والاعلامية وفي مجالات الإبداع والابتكار وتكنولوجيا الإعلام والبحث العلمي، وتضم قائمة النساء الرائدات في المغرب العديد والعديد من الأسماء اللاتي خلّد التاريخ إنجازاتهن مثل فاطمة الفهرية التي أسست رفقة أختها مريم سنة 859 هجرية أول جامعة في العالم وهي جامعة القرويين بمدينة فاس والتي تخرّج منها أعظم العلماء العرب ولا زالت تدرَّس إلى يومنا هذا. وتورية الشاوي أول امرأة طيارة مغربية وعربية، جسدت المساواة بين الجنسين، وأثبتت قدرتها على قيادة طائرة في الخمسينات، وماتت شهيدة زمن الاستعمار. وأمينة الصنهاجي أول عالمة فضاء عربية مسلمة تلتحق بوكالة ناسا الفضائية في الستينات. وكانت سميرة الزاولي أول امرأة تترأس فريقا لكرة القدم في العالم العربي.وعائشة المكي أول امرأة مظلية في العالم العربي، التي شاركت في المباراة الدولية للطيران سنة 1956، وحصلت فيها على الجائزة الأولى، وسعيدة عباد أول امرأة تقود القطار في العالم العربي، وحليمة الورزازي التي أصبحت سنة 1973 أول امرأة في العالم العربي عضوا خبيرا في لجنة الأمم المتحدة لمناهضة الميز العنصري. وسلوى الفاسي الفهري أول قاضية في العالم العربي.وزهرة العلوي أول مدربة لألعاب القوى والسلة في العالم العربي من أصول مغربية. وغيثة الخياط أول مرشحة في العالم العربي لجائزة نوبل، وفاطمة مومن أول عربية وإفريقية تصبح منسقة ملف الإذاعات الأوروبية، وبشرى المسلّي أول امرأة تدير مؤسسة سجنية في العالم العربي، ولطيفة الفاسي أول مذيعة في العالم العربي.وحسناء الشناوي أول امرأة عربية تنضم إلى الهيئة العالمية لتنمية النيازك، وفاطمة عبوق أول امرأة تقتحم عالم رجال المطافئ في العالم العربي، ولطيفة الجامعي أول امرأة تقتحم مجال أمراض وتوليد النساء في العالم العربي، درست الطب في الخمسينات ومارست تخصصها في الستينات وفتحت عيادتها في بداية السبعينات.والعداءة المغربية نوال المتوكل تحصلت على ميدالية ذهبية في أولمبياد لوس انجلوس سنة 1984 في سباق 400 متر حواجز لتصبح أول امرأة عربية وأفريقية تتحصل على ميدالية ذهبية.ولا تتوانى المرأة المغربية اليوم في أن تكافح من أجل الحفاظ على مكتسباتها ودعمها والتصدي لجميع المحاولات الرجعية التي تسعى جاهدة إلى إعادتها إلى العصور الغابرة.
سكينة عشوبة طالبة وباحثة الماستر الإتصال السياسي.
|
|
2363 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|