الساديةُ هو مصطلحٌ يُطْلَق على كلّ من يتلذّذ بعذابات، وآلام، ومآسي الآخرين، ويجد في ذلك متعةً، وسعادةً، ونشوةً، كمن يبْقُر البطون، أو يقطِّع الأوصال، أو يقْطع الرؤوس، وهي كلّها أمورٌ مشينةٌ عُرِف بممارستها الإرهابيون، أو المجرمون المنتمون إلى (المفتَرِسات البشرية)؛ لكنْ من أين أتى اللفظُ؟ هذا اللفظ يعود إلى القرن الثامن عشر، وهو مشتقٌّ من اسم أديب فرنسي فاسق كان يُدْعى [الماركيز دي ساد: 1740 ــ 1814]، ومِن (ساد) جاءت (السّاديةُ).. كان (ساد) فاسقًا، قضى معظم حياته في السجن، ولم يُلْتَفتْ إلى كتاباته الفاسقة إلاّ في عصر (السريالية).. كان يمجّد الفسقَ، والانحلال، والتلذّذَ بتعذيب النساء، مما جعل هذه الحالة النفسية ترتبط باسمه، ويستعملها حتى علماءُ النفس، ومن أشهر مؤلفاته: [جوسْتين أو شقاءُ الفضيلة]؛ [المائة وعشرون يومًا من حياة صادوم]؛ و(صادوم) تعني (الشذوذ الجنسي) أو (la sodomie)؛ وحضارة (صادوم) دمّرها الله عزّ وجلّ بسبب الشذوذ هي و(عامرة) الفاسقة، وجاء ذِكْرُها في (الكتاب المقدّس)؛ لكنّ القرآن الكريم ذكَر (قَوْمَ لوط).. لهذا، فلفظةُ (sadisme)، تعني القسوةَ، والعنفَ النفسي والجسدي في حقّ الضّحايا، دون شفقة أو رحمة، بالإضافة إلى القسوة المرتبطة بالجنس، ولعلّ الذين يُعَنّفون المرأةَ أو الزوجةَ اليوم، هم في الواقع ساديون لا شكّ في ذلك، بل مرضى نفسانيون بكلّ تأكيد، والسّادي عنيفُ الطّبع والـمِزاج، ومُؤَهّلٌ لكي يرتكبَ أشنع الجرائم، وما أكثر السّاديين بيْننا اليوم!
يحاول [الماركيز دي ساد] في أقاصيصه خاصّة، المليئة بالمشاهد السادية، أن يبرهنَ أن الرّذيلةَ تعلو على الفضيلة، والشر على الخير، وأن الرغبةَ في التعذيب هي أكثر أصالةً وقوةً وصدقًا وطبيعية من الرغبة في توفير المتعة.. ويعتقد (ساد) أيضا أنّ أعظم إثارة ممكنة، وأوضح تمييز، وأقوى تحقيق لـ(الأنا) كلّها تقوم على ملاحظة ومراقبة الإمكانيات والتلذذ بها حتى النشوة؛ الإمكانيات التي نملكها من أجل تعذيب ضحيتنا.. إنّ فلسفة [الماركيز دي ساد] عن السادية ليست سوى عقلنة للسّادية: فما قاله (الماركيز) ينطبق كلّيا على كلّ سادي.. فجوهر السادية يكْمن في البحث الذائب عن (الأنا) انطلاقا من الحاجة إلى توكيد الذّات، ومِن دافِع لفْت نظر الآخرين إلى الوجود العيني للشخص.. يقول السادي: [هذا أنا؛ أنا موجود هنا؛ وعليكَ أن تلاحظ وجودي.. فإذا تلاحظني طوعًا وحبّا، يجب أن تنظرَ إليّ وأنت معذّبٌ، لأنّي سوف أجعلك تتألّم، وتتعذّب، وعن طريق تعذيبكَ، سوف تعترف بوجودي، وبحضوري؛ فوجودي يصبح أكثر واقعيةً بقدر ما يزداد عذابُكَ؛ لذا يكون (الكوجيتو) السادي هو: أنا أعذّبكَ، إذن أنا موجود]. إنّ عذابَ مَن ينكّل به الساديُ يمكِن أن نقارنَه بهزّة الجِماع الجنسية التي يحسّ بها شريكُ الإنسان الذي، وهو القادرُ على التمتّع طبيعيًا بحبور الآخرين، يشعر بأنه اغتنى، وازداد قدرًا، وتميّزًا ككائن حيّ، من خلال لذّة الآخرين، اللذة الناتجة عن لذّته هو بالذات، وهذا ما يفسّر وجودَ جثثٍ مُثِّل بها بوحشية..
ومن الواضح، بعد طرْح هذه المعطيات، أنّ عذاب الآخر، بالنسبة للسّادي، هو الوسيلة الوحيدة التي يملكها للتمتّع.. الواقع أنّ لا خيارَ له: فإذا لم يتمتّعْ بهذه الطريقة، فإنه لن يتمتّع أبدًا، وقد يصل به الأمرُ إلى حدّ الانتحار نفسيًا وحتى جسديًا، وإن لم يتمتّع عن طريق تعذيب الآخرين، فهذا يعني إذن أنّه يسير باتجاه الشلل التام (Paralysie totale)؛ وفي الحقيقة، تصدر الساديةُ أيضا، وخاصة من حاجة شَلّ الحياة وتجميدِها وتقييدها.. والساديُ الذي يكتفي بتعذيب ضحيته دون الوصول إلى قتْلها، هذا الساديُ يكون قد توصّل إلى تحقيق تسوية، غيْر سلبية كلّيا، وبيْن الجمود والحركة، بيْن الموت والحياة، بين الشّلل والارتعاش.. أمّا عندما ينتقل الساديُ من التنكيل إلى ممارسة فعْل القتل، ساعتئذ تكون الساديةُ قد بلغتْ درجةَ قتْل الحياة، وتشويه الجثث، والتلذذ بالنظر وحْده إلى ما هو محروم من الحياة.. الحياة التي وضع السادي القاتل حدّا نهائيا لها ضمْن إطار هذه الحدود لظواهرية السادية (Phénomenologie).. ويقابِل [إريخْ فروم] بيْن قاتِل الحياة، ومحبّ الحياة؛ فهو يربط قتْلَ الحياة بالنّرجسية الهدّامة، وبالفكرة الراسخة الخاطئة التي تتكوّن عن آلام، وحُبّ الحياة بمحبّة القريب، والغريب، والطبيعة، وبالعقل الخلاّق الطّامح للاستقلال والحرية.. ويُعْتبَر [كرافْت إيبينْغ] عن حقّ، الساديةَ بمثابة تعبير ذَكَري نموذجي، ملاحظًا في الوقت عيْنه أنّ النساءَ الساديات، هنّ حتمًا سِحاقيات.. ضمْن هذا النطاق، يجب أن نعترف بأن السادية الأنثوية موجودة، وأنها أكثر بكثير ممّا نظنّ عادةً.. إذن، هناك ساديةٌ أنثوية كذلك، وهي قاسية ومتفشّية، لكنّنا نستطيع القولَ بحقّ إنّ السّاديةَ هي صفةٌ من صفات المجرمين من الرّجال في المجتمع.. و[البجيديون] الذين يعذّبون الشعبَ، ويتلذّذون بمآسي الفقراء، والمظلومين، والمقموعين، هم في واقع الأمر ساديون، ولهم وسائل لممارسة ذلك بالكذب، وادّعاء الإصلاح، كما لهم وسائل إعلام تمارس السّاديةَ بإعلامها المضلّل، وإظهار المظالم، وكأنّها عدلٌ، وتنميةٌ، واهتمامٌ بالمواطن.. والآن تراهم يدافعون عن متّهم بالقتل، واستهدفوا بسادِيتهم العدالةَ والقضاء بهدف شلِّهما وتقطيع أوصالهما في بلادنا..