يحكي لنا تاريخ المغرب أن سيدة جاءت إلى مدينة فاس قادمة من مدينة القيروان التونسية واسمها فاطمة الفهرية، جاءت إلى بلادنا حاملة معها فكرة إنجازمشروع علمي كبير.
هكذا تأسست في زمن آخر جامعة القرويين في مدينة فاس والفضل يعود إلى فاطمة الفهرية.
نحن الآن في زمن آخر وفي مدينة أخرى هي مدينة وجدة حيث تأسست منذ عشر سنوات المدرسة الوطنية للتجارة والتدبير والفضل يعود إلى الحاجة فاطنة المدرسي أطال الله في عمرها وهي أرملة المجاهد السي أحمد العربي المدرسي المناضل المعروف في المغرب الشرقي إبان معركة التحرير من الاستعمار الفرنسي في المغرب أو الجزائر، أو طوال المواجهة مع سنوات الرصاص في المغرب، حيث الاعتقال في دار المقري أو غيرها من المعتقلات التي كان يشرف عليها السفاح أوفقير.
رحل السي أحمد العربي المدرسي وترك الحاجة فاطنة مع فلذات كبدها وأحفادها وجلست ذات يوم تتأمل أحوال الأسرة حيث تخرج من الجامعة أبناؤها ومنهم من أصبحوا أساتذة جامعيين فقالت مع نفسها : أي عمل يمكن أن أحققه بعدما ترك لي المرحوم ما يساعدني على القيام بما فيه خير للوطن؟
ألم يكن السي أحمد طوال حياته يسعى إلى فعل الخير من أجل الوطن وأبناء الوطن؟
في مدينة وجدة يوجد رجل على قدر كبير من الاحترام اسمه مصطفى بن حمزة، وهو رئيس المجلس العلمي لجهة المغرب الشرقي. ذهبت عنده الحاجة وأخبرته برغبتها في تمويل مشروع وطني، فجلس الإثنان يستعرضان المجالات الإحسانية التي تتمكن فيها الحاجة فاطنة من تحقيق مشروعها على ضوء ما تحتاج إليه جهة المغرب الشرقي.
في تلك اللحظة، استحضر الأستاذ مصطفى بن حمزة أن مدينة وجدة تتوفر على مدرسة وطنية للتجارة والتدبير، لكنها مؤسسة تفتقر إلى العديد من الإمكانيات مما يجعل طلبتها يقصدون معاهد أخرى لتلقي دروسهم.
وعلى ضوء ذلك اتفقت الحاجة مع الأستاذ مصطفى بن حمزة على تمويل المعهد الوطني حتى يتوفر على مختلف التجهيزات والوسائل الكفيلة بجعله مدرسة وطنية للتجارة والتدبير.
حصل هذا منذ عشر سنوات، توالت خلالها أفواج المتخرجين من أبناء الشعب الذين يحملون الآن شهادات عليا فتحت أمامهم آفاق الشغل والعمل القار.
في نهاية الموسم الجامعي المنصرم كان عدد المتخرجين 152 طالبا ولهذا قررت إدارة المعهد والأساتذة والطلبة أن تكون نهاية السنة الجامعية مناسبة لتكريم الحاجة فاطنة المدرسي.
كانت الحاجة في البداية قد اتفقت مع الأستاذ مصطفى بنحمزة على أساس أن يبقى عملها الإحساني في طي الكتمان والسرية التامة.
ولكن أساتذة المعهد والطلبة أصروا على تكريمها اعترافا بالجميل والعمل الإحساني الذي قدمته للعلم والمعرفة لما فيه خير الوطن.