انصب اهتمام حزب العدالة والتنمية على قضيتي متابعة عبد العالي حامي الدين بجناية القتل مع سبق الإصرار والترصد، ونزع آمنة ماء العينين للحجاب في صور بباريس حيث بدت عارية الساقين، وأولى الموضوعين النقاش الوافر من لقاء المجلس الوطني وحتى الأمانة العامة للحزب، التي تداعت بسرعة للاجتماع لمساندة المتهم بالقتل ضدا على القضاء، وخروج الوزير الرميد بتصريح لا يمكن أن يدلي به إلا غير السوي حيث اعتبر تصريحه بعدم استقلالية القضاء تم بصفته قياديا في الحزب الإسلامي، بينما بصفته وزير فالقضاء مستقل. واللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن اللطف فيه.
حزب يقود الحكومة واجب عليه التفكير في الوضعية الصعبة التي يمر منها المغرب. فحامي الدين متابع أمام القضاء، وليس من السليم كل هذا النزول لشخصيات برمزيات مختلفة، وخصوصا رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، الذي كان يمتطي سيارة مخزنية وبحراس مخزنيين أيضا، ومرافقة عدد من القياديين الذين تركوا البرلمان والجماعات التي يقودونها ليقودوا التضامن مع المتهم بالقتل.
للقضاء كلمته الفصل، وأساسا نحن نعيش عصر استقلالية القضاء، وكان على الحزب أن يترك المحكمة تشتغل بل يجعل منها معيارا لقياس هذه الاستقلالية، لكن لأنه متأكد من صدقية الموضوع فإنه يهرب إلى الأمام.
وعكف الحزب على مناقشة سيقان آمنة ماء العينين، لكن نسي أن يغطي سيقانا ما اختارت العراء ولكن فرضت عليها الظروف وقساوة الطبيعة وقساوة قلوب من هم في مواقع التسيير أن يعيشوا المأساة خصوصا مع موجة البرد القارس. هل سيقان ماء العينين وتغطيتها، أهم من تغطية عرايا الجبال والقرى النائية؟
يعيش الناس في كثير من المناطق دون أن تواسيهم الحكومة ولا تصلهم أخبارها ولا تصل أخبارهم إليها، ولا يوجدون في حساباتها عندما تتهيأ لوضع الميزانية ولا تفكر فيهم عندما توزع التعويضات السمينة.
لو لم يكن حزب العدالة والتنمية هو الذي يقود الحكومة لكان الأمر مفهوما ومقبولا، ولكن أن يهتم الحزب القائد للأغلبية بأمور ثانوية، قد تكون مهمة بالنسبة إليه، لكن ليست مهمة للشعب، ان يهتم بذلك وينسى القضايا الأساسية والرئيسية فتلك الطامة الكبرى.
لا يهمنا نحن أبناء الشعب، كيفما كنا، أن يحاكم حامي الدين وغيره، او تعري ماء العينين سيقانها أو تلبس النقاب، ولكن يهمنا أن نجد حطب التدفئة للذين يسكنون الجبال ويعيشون في شبه بيوت تنعدم فيها شروط الكرامة الإنسانية، ويهمنا ألا يقول رئيس الحكومة السابق "عفا الله عما سلف" فتصبح قاعدة لمن قبل ومن بعد، ويهمنا ميزانية متوازنة تتميز بالعدالة الضريبية، ويهمنا أن يتم توزيع الثروات بالعدل بدءا بإلغاء التعويضات السمينة وصبها في الصناديق الاجتماعية والأعمال التكافلية، ويهمنا حكومة تمثلنا لا تمثل لوبيات المال والأعمال، ويهمنا حكومة لا تتركنا للحيتان الكبيرة بينما يستفيد أعضاؤها في صمت.