حسب بلاغ للمديرية العامّة للأمن الوطني فإنّ سنة (2018) عرفتْ وقوعَ (964) قتيلا، وإصابة (3748) شخصا بجروح بليغة، و(84.048) بجروج طفيفة، كانت كلّها بسبب الجرائم والخلافات ببلادنا، وبذلك سفّهتْ أقوالَ الذين كانوا يبشّروننا بأنّ المغرب بلدٌ آمن، وأنّ المغاربةَ ينعمون بالأمن والأمان والطمأنينة.. بهذه الإحصائيات الرسمية، تبرز حقيقةٌ صادمة ومفجعة على السطح، ومفادها بلا شك أنّنا مجتمع (سادٍ)، لأنه حتى خلال معاركَ حربية طاحنة أو اضطرابات اجتماعية عنيفة، فإنّه لا يسقط عادةً مثلُ هذا العدد من القتلى والجرحى.. لهذا، فإن ما نستخلصه من هذه الإحصائيات، هو أننا نعيش في أمّة عنيفة، وسادية، يكون وراءها دينٌ مغلوط، له أوثان تُعْبَد، وأنّ أهل هذه العقائد لم يفعلوا سوى على نشر الشّر، وبنشره حصدوه من جديد عبْر القتل في الأمّة.. وقد يكون القتل بسبب الفقر، والفراغ الذهني، وغياب التربية السوية، وانعدام العقلانية، وهذا ما يعنيه (سقرط) حين يقول: [فالشّر هو ثمرة الجهل، وعدم العلم، وغياب المعرفة، وكل امرِئ يتصرّف حسْبما يعْلم، لا أكثر ولا أقلّ، ثم لا أحد شرّيرٌ باختياره].. هذه الحقائق التي طفت فجأةً على السطح، لم يكنْ ليعلم بها المواطن البسيط، أو كما يقول الألماني (غوتَه): [إنّ أصعب الأشياء هو رؤيةُ الشيء الموجود تحت الأنوف].. فماذا أفادت مؤتمراتٌ دينية، وحصصُ الوعظ والإرشاد، وإخفاءُ واقع مُتَردٍّ عن طريق التمظهر بالتعبّد، والزهد، والنفاق المموَّه؟! لا شيء!
فأصحاب الدّين الزائف، والعقائد الفاسدة، لا ينظرون إلى الشّر الكامن بداخلهم الذي ينفثونه في أعماق مَن صدّقوهم من السّذج والبلهاء، فيخترعون لهم عدوّا وهميًا يكفي أن يُقْضوا عليه حتى يصلوا إلى إلغاء كل شرّ في الدنيا؛ ولكنْ هذا الشّر الذي يحاولون القضاءَ عليه، والمجسَّد في أناس آخرين أبرياء يمنعهم من رؤية الشر الموجود فيهم أصلا، وهذا هو ما نسمّيه الإرهاب الذي وسموه بـ(الجهاد) ويمارسه المجرم عن إيمان راسخ، واقتناع.. وهناك إجرامٌ فرديٌ يكون سببُه الخوف والانفعال لـمَن لا قدرة له على ضبط نفسه، والسيطرة على أعصابه، فينْشط في أعصابه هرمون (الغُدّة الكظريَة) أي [Adrenaline]، فيزداد انقباضُ القلب، وتسارعُ دقّاتِه، وسرعة في التنفس.. أمّا بالنسبة للغضب، فجرائمُه تحْدث بفعل نشاط هرمون آخر، هو (نورادْرينالين):، وهو هرمون شبيه بالهرمون السابق، لكنّه يختلف عنه.. ولقد تأكّدت هذه النتائجُ فيما بعْد بالدراسات التي قامت حوْل الغُدد الجنسية عند الحيوانات البرّية المتوحّشة، وهي موجودة أيضا عند (الـمُفْتَرِسات البَشَرية) التي تَذْبح، وتقْطع الرؤوسَ، وتمثّل بالجثث، ويدافع عنها دعاةُ حقوق الإنسان، هؤلاء المدافعون عن الشر وأصحابه من قتلةٍ ذبّاحين، وعن حقّهم في الحياة كحقّ أسمى، يرتكزون في موقفهم على فلسفة [زيبالدون] حيث يقول، والتعليقُ للقارئ الكريم: [إنّ الشر موجودٌ في كل مكان، وكلّ ما هو حيٌّ يمثّل الشّر؛ كلّ ما هو موجود هو شرّ، ولا هدف ولا غاية من وجوده سوى هذا الهدف وهذه الغاية.. فالوجود هو شَرٌّ قرّره الشّر، والكونُ له غاية واحدة هي الشر.. فالدولة والشرائع ومسيرة الكون الطبيعية، ما هي سوى الشّرِّ عيْنه، كلّها مرصودة للشر.. وحْده اللاّوجود هو الخير، ولا سبيل لوجود الخير إلاّ في ما هو غير موجود: الأشياء التي لا قيمة لها؛ كل الأشياء رديئة].. اُنظر كتاب: [عنْف الإنسان أو العُدوانية الجماعية] صفحة: (66) لمؤلِّفه: [فاوسْتو أنطونيني]..
يرى المفكّرُ [موبرتوي]، أنّنا لو قمنا بعملية جمْع كل الخير وكل الشّر، لوجدْنا أنّ مجموعَ الشّر يفوق بكثير مجموعَ الخير.. ويرى [غاستون بوتول] بطريقة ساخرة، فيقول: [هل هناك ما يثير الدهشةَ والاستغراب أكثر من التحولات التي تحدث حوْلنا عندما تدْخل الفئةُ السياسية في عالم العنف؟ هؤلاء السياسيون، يمتعضون عند رؤيتهم صحْنًا محطّمًا أو لوْحَ زجاجٍ مكسور، لكنّهم يجدون أنّ قصْف المدن وتدميرها أمرٌ طبيعي؛ هؤلاء الذين يقفون ضد أحكام الإعدام الصّادرة بحقّ أخطر المجرمين والقتلة، قد يصل بهم الأمر إلى حد التصفيق عندما تقتل دولةٌ إرهابية مثْل (إسرائيل) الآلافَ من الأبرياء في (فلسطين)، ويعتبرون ذلك حقّا لها؛ هؤلاء يعبّرون دائما عن مواقفهم بطرق ملتوية، وبتعابير خادعة.. نعم؛ إنّ الإمبريالية ليست صنيعة الأمم البائسة، والجاهلة؛ بل هي سياسة الأمم الأغنى ثروةً، والأقوى عدّةً.. فالمشكلةُ إذن هي أبعد أنْ تُحَلَّ من خلال نظريات حقّ القاتل في الحياة، وحبِّ السِّلم الساحرة].. وهناك نوعٌ آخر من القتل، ونمط آخر من العنف، ونماذج أخرى من الجرائم الشّنعاء، وهي التي مِن ورائِها ما يسمّى (السّادية).