عاد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة والأمين العام للعدالة والتنمية، للحديث من جديد عن ضرورة مقاومة حزبه لنزوعات التحكم والإفساد السياسي، وهي اللغة التي استعارها من سلفه المعزول بنكيران، ومن استمع إليه أمام المجلس الوطني للحزب يظن أن الحزب هو القوة الوحيدة في البلاد، إذ تحمل "عناء وعبء" تمنيع الدولة، وهو مفهوم لم نفهمه لحد الآن، يذكر بما وقع في وقت سابق من تاريخ المغرب، حيث قال أحد الزعماء للملك الراحل الحسن الثاني إن الأحزاب تحمي الدولة، فرد عليه هناك مؤسسات تحمي الدولة وعددها له. ولن نقارن طبعا بين أحزاب ذلك الزمن القوية وبين حزب منفوخ.
وسنقف في الأخير على معنى "تمنيع الدولة" كما يفهمه الإخوان في التوحيد والإصلاح وأداتهم الوظيفية العدالة والتنمية.
قصة التحكم سرقها بنكيران من مناضل يساري له توجه مختلف ورؤية مختلفة للدولة والمؤسسات وبالنتيجة مناضل جذري "لم يأكل الغلة ويسب الملة". وهي المشجب الذي علق عليه فشله في تدبير الشأن العام، حيث أرجع مآسي المغاربة إلى العفاريت والتماسيح، بينما لم نر عفاريت ولا تماسيح يوم كان يدافع عن "إصلاح" أنظمة التقاعد، التي أهلك بها الحرث والنسل، ولم نَرَهُم بينما كان بنكيران يطلق يد الشركات المحتكرة لتوزيع المحروقات، ولم نَرَهُم يوم كان يفرض الإجراءات الضريبية المجحفة في حقنا.
في السياسة لا يمكن أن تنفي شيئا ولا أن تؤكده إلا بالتجربة الاجتماعية والممارسة اليومية. في التدبير اليومي للشأن العام تبين أن ما يسمى لدى العثماني بـ"تمنيع الدولة" ليس سوى "التمكين" الذي هو مفهوم ينتمي لمنظومة الإخوان المسلمين، يعني التمكين للحركة من خلال الحزب وسط مؤسسات الدولة.
دعونا نتحدث بالواضح عن التحكم.
يمارس حزب العدالة والتنمية وحلفاؤه في الحكومة أخطر أنواع التحكم في مؤسسات الدولة. استغنى كثيرا عن المناصب العليا ادعاء الزهد فيها ولكن حقيقة الأمر كي يبقى بعيدا عن الأعين. ترك للآخرين بعض المناصب لكن مقابل الاستحواذ على أغلبية المناصب في مستويات أقل. لا يوجد تحكم أخطر من أن تتحكم في رقاب الموظفين.
مع قانون التعيين في المناصب العليا شرع الحزب الإسلامي في ضبط مسالك الترقية داخل الوظيفة العمومية، حيث لم يعد متاحا التباري بشفافية على مناصب المسؤولية، ولكن يتم توزيعها بالكوطا وتغليفها بلجان الانتقاء المتحكم فيها، والتحكم في المسؤوليات الصغيرة سيصبح مع الوقت أداة للتحكم في ولوج الإدارة.
على العثماني، الذي يتحدث عن التحكم بطريقته وعن تماسيح وعفاريت أخرى، أن يحدد عدد الذين تولوا مناصب المسؤولية حتى البسيطة منها دون أن يمروا عبر ماكينة الأحزاب المشكلة لتحالف الأغلبية، التي كان لحزب العدالة والتنمية نصيب الأسد منها؟ كم موظفا تولى منصبا دون المرور عبر مسلكية الاختيار الحزبي؟ أليس هذا أشد أنواع التحكم خطرا على البلاد والعباد؟