أبو أمين
عاد عبد الإله بنكيران إلى الظهور منتشيا بتصريحات جديدة حول فضيحة البرلمانية أمينة ماء العينين، وبدا وكأن الشخص استفاد من خفوت نجومية فقهاء الإفتاء والرقية الشرعية، فلبس لباسهم دون أن يحتاج إلى إطلاق اللحية، وانبرى يفتي ويقدم النصائح والخبرات إلى ماء العينين: “كان عليك أن تفعلي كذا، وما كان عليك أن تفعلي هكذا”.. “اتركيهم ولا تهتمي، وانسي حجابك ولا تغتمي، فالحجاب ليس ضروريا في تعاقدنا السياسي”، “ماء العينين لم تعرف كيف تواجه منتقديها، وبالتالي فقد وقعت في الخطأ”.
حقيقة أن بنكيران يطبق بهذه التصريحات المثل الدارجي الشهير: “جا يعاونو على قبر والده وهرب ليه بالفاس”، وبالتالي فقد حول لسانه إلى معول يهدم به الجدران المتبقية من البيت الآيل للسقوط لحزب العدالة والتنمية.
أما “عروستنا” التي أثير حولها كل هذا الصخب، فقد أطلت علينا بعينين محتشمتين، وبتدوينة خجولة، تقول فيها إنها انهزمت في هذه الفضيحة، لمجرد أنها امرأة، ولأن الذين حاربوها أتقنوا توجيه السهام إلى صدرها، ونتخيلها وقد مسحت بيدها اليمنى دمعة تسللت إلى خديها، لحظة تدوينها لمشاعرها، واعترافها بالذنب.
نعم نتخيلها كذلك، لأنها حاولت أن تطبق ما نصحناها بتطبيقه، حين طلبنا منها أن تقتدي بما فعله الرئيس الأمريكي الأسبق “بيل كلينتون” حين ارتكب زلته، وبكى أمام الشعب معتذرا، لكنها للأسف لم تحترم المقادير التي اقترحنا عليها من أجل إنجاح الوصفة، وخلطتها بمقادير أبيها الروحي عبد الإله بنكيران، فجاءت تخريجتها منسجمة مع المثل الدارجي “يديك ويد القابلة يخرج لحرامي أعور”.
فعبد الإله بنكيران اعتاد اللجوء إلى الدموع والبكاء أمام الجماهير، ولكنه استفاق يوما فوجد أن الدموع ما عادت تجديه وتطيل عمره، وأمينة ماء العينين اعتادت “تخراج العينين”، وما وقع لها في هذه التدوينة يشبه حكاية الغراب حين أراد تقليد مشية الحمامة فنسي مشيته.
وقد سار على ركبهما عبد العالي حامي الدين فاستعار بدوره لباس الفقيه، وأخرج من جعبة ذاكرته حديثا للرسول الكريم: “لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم”، وكأنه اعتراف بما اقترفه إخوانه الحبيب الشوباني وسمية بنخلدون وفاطمة النجار وعمر بنحماد ومحمد يتيم ومدلكته وأمينة ماء العينين، بل وما اقترفه هو في مقتل الطالب بنعيسي آيت الجيد. حامي الدين يريد أن يستنجد بهذا الحديث الشريف لينجيه من نيل مصيره أمام القضاء، لكن!.
إن اليد التي كان يمسح بها عبد الإله بنكيران دموعه أمام الجماهير وعلى شاشات التلفزات، هي نفسها اليد التي كان يوقع بها على قوانين وقرارات أبكت الملايين من ضعفاء الشعب المغربي، والموظفين، والمأجورين. وهي نفسها اليد التي حرمت المتقاعدين من حقوقهم، والموظفين من تعويضاتهم، والمأجورين من مستحقاتهم، والأساتذة من وضعياتهم القانونية، والمعطلين من حقوقهم في التشغيل. بل إنها نفس اليد التي ساهمت في تدمير الطبقة المتوسطة، ودفن العديد من المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتأخير مشاريع اجتماعية واقتصادية هامة، وتهميش فئات واسعة على حساب الفئات التي تناصر حزب العدالة والتنمية.
لقد أفقرتم يا وزراء حزب العدالة والتنمية الكثير من المواطنين، كي تستغلوا أصواتهم غدا في الانتخابات، وتطول طريقكم، وأنتم تمتطون ظهورهم. واقترحتم وزراء لا كفاءة ولا قدرة لهم على تسيير الشأن العام، وعينتم مسؤولين ومديرين عامين ومركزيين وكتاب عامين “إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ” صدق الله العظيم.
لقد غرتكم المناصب فأجهزتم على المكاسب، وقد أجهضتم الكثير مما جاء في خطاب التاسع من مارس، وأتلفتم فاختلفتم فضيعتم الكثير من المشاريع والأوراش الكبرى. فكيف لعبد الإله بنكيران أن يتحول اليوم إلى خبير في إسداء النصح، وهو الذي لم ينتصح يوم كان رئيسا للحكومة؟ وكيف له اليوم أن يستشار، وهو الذي رفض المشورة يوم كان بيديه القرار؟.
أما وقد كانت لك الجرأة لتدلي بدلوك فيما يخالف شرع الله عدلا في الدنيا والآخرة، وأن تقبل بالزلة والخطيئة، وبخلوة المناضلة مع صاحبها وهي متزوجة فلتشهد على نفسك اليوم ولك الله غدا حين تلاقيه.
ولكي نريك مع باقي أعضاء حكومتك المنتهية، وحكومة خلفك العرجاء وجوهكم في مرآة الحقيقة والإنجازات، فلتجيبنا إن استطعت عن هذه الأسئلة المشتعلة نارا في صدور المغاربة، حتى كادت تضيء من بين جوانحهم، أجبنا عن سر ضرباتك الموجعة للنقابات، مستغلا هشاشة عظامها، وغير راحم شيخوختها، وكبر سنها، حينما كنت تزهو كالطاووس بإطفاء شمعة الحوار الاجتماعي؟ لقد أدرت ظهرك للمتصرفين، وللعاطلين، وللمأجورين، وللمقاولين، فقتلت روح المبادرة والخلق والإبداع، وأثقلت كاهل التجار وصغار المواطنين بالضرائب المدمرة، وزدت في غنى الأغنياء، وعمقت فقر الفقراء.
لقد وعد حزبك في برامجه بتخفيض الضرائب فما فعلتم، وبتقليص البطالة وما نجحتم، وبالتخفيف من المديونية ففشلتم، وبإصلاح الإدارة والقضاء والصحة والتعليم فبقيت على حالها منذ أتيتم.
نعم لم تنجحوا في كل ما ادعيتم ووعدتم، ولم ينجح خلفكم في إخراج أهم الملفات الموضوعة على مكتبه من التكوين المهني، إلى الحوار الاجتماعي، إلى عقلنة الضرائب، إلى التغطية الصحية، إلى النموذج التنموي الجديد… فماذا عسانا نفعل؟ وما عسانا نقول عنكم وكيف نواجهكم: إذن، ندعوكم إلى الله فهو خير نصير.
لقد وقفتم أمام المرآة، وحاولتم بكل ما أوتيتم أن تضعوا مساحيق على وجوهكم، فلطختم المرآة، وظلت وجوهكم حاملة لأقنعة العمليات الجراحية والتجميلية، دخلتم إلى المناصب الوزارية كتاكيت صغيرة، وها أنتم اليوم أضخم من حجم الديك الحبشي.
أما أنت يا أمينة ماء العينين، فما عليك سوى أن تعلمي أن اليد التي تمسحين بها دموعك اليوم، هي نفس اليد التي صوتت بها في البرلمان على كل المشاريع المفلسة التي ذكرناها، وهي مشاريع وقوانين أرهقت المغاربة، وأبكتهم، وشردت الكثير منهم.
وعليك أن تعرفي أيضا أن المغاربة لم ينتقدوك اليوم بسبب لباسك، ولكن بسبب نفاقك، ولذا نحيلك على الحكمة القائلة: “من عمل ما ليس بطبعه، ولو كان صوابا، أصبح من أهل النفاق، وعرض نفسه للإخفاق”، ونحيلك على حديث سعد بن بلال: “لا تكن وليا لله في العلانية، وعدوه في السر”.
لقد طبقتم، يا أهل العدالة والتنمية، في حقنا سيرة الشاعر الفرزدق، الذي ظل يمدح الحجاج إلى أن مات، فهجاه هجوا شنيعا، وحين سألوه عن فعله قال لهم “كنت معه حين كان الله معه، وحين تخلى عنه تخليت عنه”.
ماذا نقول عنكم، وماذا نقول لكم، يا قياديي التحدي والادعاء والنكران؟ هل نذكركم بقول الله تعالى في كتابه الحكيم : “قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا”؟ أم ننبئكم بالحديث الشريف عن صفات المنافقين: “إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان”؟ أم نكتفي بقول الشاعر: “قل للذي لست أدري من تلونه *** اناصح أم على غش يداجيني”؟.
ها أنتم تتكلمون في كل الصحاري والوديان، وكان يكفي أن تتكلموا من حين إلى حين بالصدق، كي لا تكونوا ممن قال فيهم القائل: لا يكذب المرء إلا من مهانته أو من عادة السوء أو قلة الأدب.
وكان يكفي أن تتكلموا من حين الى حين بالصدق، كي لا تكونوا ممن قال فيهم القائل: لا يكذب المرء إلا من مهانته أو من عادة السوء أو قلة الأدب.