طه لمخير
عندما صدر فيلم حجاب الحب ثار الإسلاميون الذين يعتبرون قماشة الرأس فرضا إلاهيا وأحد أبرز مظاهر "أخْوَنة" المجتمع، رغم أن كلمة "حجاب" لم ترد في نصوص الوحي المقدسة بالمعنى الذي يروجون له، ولم يكن مفهوم اللباس كما يصفه القرآن الكريم إلا في حدود ما يواري "سوءة" الانسان، وهو ما يعرف بالحشمة دون تفصيلات مرهقة تمعن في التزمت، وتبتغي خلق نموذج dress code معين يُفرض على المرأة المسلمة اجتماعيا وقانونيا.
لكن بعد ما سمي بثورة الحجاب في الثمانينات، واكتساح الأيديولوجيا القطبية المتحالفة مع المذهب الوهابي؛ أخذ هذا الاسم صفة القداسة والأمر الإلهي، وأصبح يحيل رأساً على معاني العفة والبراءة والبكارة الجنسية، ويُتّخذ رمزا وسلاحا للنضالية الإسلامية، وأضحت المرأة المحجبة فارسة أحلام الشاب المسلم، وتحول غطاء الرأس إلى معيار ثابت لإصدار أحكام أخلاقوية تلقائية مسبقة.
ومع استفحال الغزو الفكري لتيار الإسلام السياسي للمجتمعات المسلمة مطبوعا بمزاجيات حضارية حادة، وجنوح محموم إلى رفض موضة الأزياء وجمالية المظهر؛ بلغت الاسلاموية أوجها باقتحام معاقل الطبقة الوسطى والبورجوازية الخارجة عن الولاء السياسي للتيار من خلال صالونات الداعيات التي تستضيفها نساء الطبقة الراقية، والدعاة الشرقيين "المودِرن" الذي يحتلون حيزا كبيرا من اهتمام ربات البيوت.
و مع بداية الألفية، بدأ الحجاب يدخل في منظومة اقتصاد السوق وعالم الألبسة المعولَم الذي دمغه بمعاييره، وأخذ يبتعد به عن أصله السلفي المرتبط بتجربة الاسلام السياسي مع دولة عبد الناصر والأحزاب البعثية، مثلما وقع للنشيد الجهادي زمن الاغتراب، الذي فسح الطريق للأغنية الاسلامية أو "الأغنية الحلال" التي بدأت تستعمل آلات موسيقية كانت محرمة مثل الجيتار و البيانو والدرام… وأنماط أوبرالية مثل الكورال، واتخذت من الراب والجاز الأمريكي والترانيم الإنجيلية شكلا جديدا من أشكال النضالية و الدعاية(انظر في هذا الصدد بعض الأغاني التي تنتمي إلى عالم الراب تتغنى بعبد السلام ياسين ومنهاجه..).
وصار عالم الاستهلاك الرأسمالي ينافس السلفوية الأرثوذوكسية في نمْذَجة الحشمة الاسلاموية وجماليات اللباس الاسلامي ويربطها بسياق الموضة العالمية، وأصبحنا نسمع عن حجاب الإغراء الذي يتصدر فترينات المتاجر الضخمة جنبا إلى جنب مع ملابس الراقصات، و ظهرت ملابس إسلامية مستوردة من لندن، وأخرى حاملة لشارات أكبر دور الأزياء العالمية.
في الصور التي سربها الباباراتزي المزعج لبعض وسائل الإعلام للنائبة أمينة ماء العينين رفقة "صاحبها"، نرى امرأة عصرية في زيها، تلبس سروالا أنيقا ضيقا، وكعبا عاليا لا يفرقها عن أي سيدة عادية سوى ما يمكن وصفه بالحجاب الشفاف الذي يظهر أكثر مما يخفي، وهو الحجاب الذي يميز غالبية أخوات العدالة والتنمية من طبقة النخبة، حيث يصبح الحجاب الإسلاموي مجرد إعلان عن انتماء إلى توجهات ايديولوجية سياسية.
المحجبة الإسلاموية المناضلة، التي تنبذ جاهلية القرن، وتؤمن نظريا بالحاكمية، والجهاد العالمي ضد الغرب الكافر، وعقيدة الولاء والبراء ولا تصافح الرجال، تلك التي تتبنى المرجعية التراثية على مستوى الريطوريق، وتنخرط بحماس في التبشير لمشاريع الدعاية الهوياتية. لكنها تحلم بأمريكا وأضواء باريس، وتمارس نمطا حداثيا من العيش وتتابع أفلام هوليود وسلسلة لعبة العروش، وتقرأ باري ماتش ومجلات فضائح المشاهير Gossip magazines مع قهوة الصباح، وتحرص على اقتناء أحدث ما تخرجه الحداثة المادية للأسواق، وتتفنن في وضع الماكياج وترقص في الحفلات، وتتخذ في السر خدناً أو صاحبا، وتتناول وجبتها من مطاعم الفاست فود وتهوى موسيقى البوب والروك آند رول.