شاهدْنا على الشاشة يوم (الثلاثاء 25 دجنبر 2018) موكب المتّهم بالقتل الأستاذ الجامعي، وأحد قياديي حزب (العدالة والتنمية) الإخواني، والبرلماني المدعو [حامي الدّين]، وبجانبه رئيسُ الحكومة المخلوع، وزعيم الحزب المنزوع من الزّعامة، المعروف بفلتات لسانه، وسواد قلبه، وحقدِه على الوطن، والملَكية، والشّعب المغربي برمّته.. رأينا المتهمَ (حامي الدين) يمشي هَوْنًا نحو المحكمة، يحفّه (بنكيران)، وكأنّه (مولاي السلطان) الذي يرافق العريس ليلة دُخْلته، كما هو معروف في تقاليدنا وأعراسنا في البوادي النائية.. (حامي الدّين) هذا، اغتال الشاب (أيت الجيد) وأرسله إلى ظلمات القبر، وحرمَه من الحياة، فيما هو أكمل دراستَه، وهو اليوم ينعم بشتى النعم، ويرفُل في حياة سعيدة، ويملأ جيبَه بأموال الدولة في قبّة مكيّفة الهواء اسمُها مجلس المستشارين، ثم يحاضر في مدينة (الخميسات) كفيلسوف كبير، فيذكُر أنّ الملكيةَ هي الأصل في تخلُّف المغرب، وعليها أن تطوّرَ نفسَها، فيثير تصريحُه ضجّةً، فينبري (العثماني) رئيس الحكومة في المملكة المغربية، ليدافعَ عن (حامي الدين)؛ فلو كان مواطنٌ آخر قد قال أقلّ من ذلك، لذاق الأمرّيْن، وهذا ما أسماه (ألبير كامي): [اللاّمعقول]،..
ولـمّا قرّر قاضي التحقيق باستئنافية (فاس) إحالةَ المتّهم على الغرفة الجنائية، تحركت (دولةُ البيجدي) ضدّ الدولة الرّسمية وسلطتِها القضائية، فصوّب كلٌّ من (العثماني)، ووزيرُه (الرّميد) نبالهما المسمومة نحو صدور القضاة، وتعجّب (العثماني) وهو رجلٌ جاهلٌ جهلاً مركّبًا، ثم إنّه يَجهل أنّه يَجهل، متسائلا مثلُه مثْل (بنكيران) قائلاً: [كيف تُعْرض قضيةٌ مجدّدًا كان القضاء قد بتّ فيها منذ (26) سنة؟ قال [عمرُ] رضي الله عنه: [لا يمنعكَ قضاءٌ قضيتَ فيه بالأمس، ثم راجعتَ فيه نفسَك، وهديتَ فيه رشدَك، فإنْ ترجعْ إلى الحقّ، فإنّ الحقَّ قديمٌ لا يُبْطِله شيء، والرجوع إليه خيرٌ من التمادي في الباطل].. لكنّ شعار (بنكيران) كان منذ البداية هو: [لن نسلّمَكم أخانا]، وهذه القولة أوصى بها رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم، ومفادُها أنّ المسلمَ لا يسلّم المسلمَ للأعداء والكفّار، ولكنّ (حامي الدّين) سيسلّم إلى عدالة دولةٍ إسلامية، وليس إلى كفّار، اللّهم إذا كان (بنكيران) يعتبر هذه الدولةَ كافرة ومن يدري؟
(بنكيران) هذا، كان قد تقدّم بدعوى ضدّ المعطّلين لـمّا أخلّ بوعده لهم، فحكم القاضي لصالح المعطّلين، وطلب من (بنكيران) أن يفي بوعده، لكنّ (بنكيران) عزل القاضي النزيه من منصبه، تمامًا كما كان يفْعل (هتلر) النازي، وأقام دعوى أخرى، وحرص على أن تكون لصالحه وتؤيّد أحقيتَه في الإخلال بوعده للمعطّلين؛ فلماذا يَعْجبون اليوم إذا كانت قضية (حامي الدّين) سيعاد فيها النّظر بعد بروز عناصر جديدة تحتِّم إعادةَ المحاكمة مجدّدًا خدمةً للعدالة بهدف إظهار الحقيقة؟ فقضيةُ اغتيال الرئيس الأمريكي (جون كيندي) في (دلاس) ظلّتْ مفتوحة بعدما عيّنوا لها متّهمًا اسمُه (أوسْوولد)، وبعد [55] سنة، ثبت أنّه بريء، وأنّ مُطلِق النار على (كيندي) كان على بُعْد أمتار من سيّارته المكشوفة، ولم يكن في عمارة عالية وبعيدة من موكبه، وأنّ القاتل الحقيقي قُتِل، ودُفِنَ بصحبة صديقيْن له في صحراء (تكساس) في قبور بلا شواهد؛ فلا بأس إذا أُعيدَتْ محاكمةُ (حامي الدّين)، فما المانع من أن تأخذَ العدالةُ مجراها الطبيعي ولو بعْد سنين..
ثم ماذا؟ تجد (العثماني) يستخدم الحكومةَ، والبرلمان، والغوغاء لمهاجمة القضاء؛ لكنّ الأحزاب الجبانة تجدها صامتة مادامت الرّواتبُ تُدْفَع كلّ شهر؛ فهذه الأحزابُ الرّاشية لا تهمّها البلادُ، ولا قضاء البلاد، ولا مؤسّسات البلاد، ما دامتِ الأموالُ تجري، والجيوبُ والبطون منتفخة، فما الذي يمنعها من أن تنفضَّ من حوْل (العثماني) وحزْبه.. لكنّ البطنة هي التي عطّلت الضمائر الوطنية في أعماق زعماء هذه الأحزاب التي استحالتْ مقرّاتُها إلى مغارات، ومتحزِّبوها إلى هياكل عظمية بلا روح، بلا ضمير، بلا وجدان؟ فحزب (البجيدي) هو حزب خائن، ويعتبر الشْعب مجرّد قطيع يجمعونه بآلة الدّين كما أوصى بذلك (سيّدهم قُطْب).. لا، بل تجد أحزابًا شيوعية واشتراكية تحالفتْ معهم ضدّ البلاد، ممّا جعل الشّعب ينْفر منها ويهْجر مقراتها، ويكْره جرائدها التي تأخذ يوميا حمّامَ شمسٍ في (les Présentoirs) عند الباعة، أو تُستخدَم لمسْح الواقيات الأمامية للسيارات.. فهذا الحزب كان وراء نشأتِه رجلٌ عُرِف في أواخر حياته بالخيانة لوطنه وأعني به (إدريس البصري)، وقد وظّف هذا الحزبَ الإخوانيَ لمحاربة الشيوعية، ولكنّ الشيوعية في هذا البلد، صارت عميلةً لهذا الحزب الظّلامي، وقد جمع بينهما النّفاقُ، والكذبُ، والظّلاميةُ، ألمْ يكن الحزبُ الشيوعي الألماني هو مَن مكّن النّازيين من تشكيل حكومة ائْتلافية في (ألمانيا) سنة (1933)؟ فالمغاربة يستَعْجلون ذهابَ هذا الحزب الإخواني لينزاح كابوسٌ عمّر طويلاً، وكلّ يوم نترك هذا الحزبَ يتخوّض في أموالنا وفي شؤوننا هو في غير صالحنا بالمرّة، وقد آن الأوان للتخلّص منه نهائيا، ولعلّ أجمل هدية تُقدَّم للمغاربة بمناسبة السنة الجديدة أو بمناسبة ذكرى تاريخية مجيدة تتمثّل في المطالبة بالاستقلال والحرّية هو طردُ هذ الحزب فورًا في (11 يناير 2019)، ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال، حتى يكون العيدُ عيديْن، يعني الاحتفال بذكرى وطنية، والاحتفال بذكرى تحرُّر المغاربة من كابوس (البجيدي) الذي كبس على أنفاسهم وكأنّهم عبيد.. ذاك أمَلُنا؛ فهل يَتحقّق؟ مُمْكن؛ ولِمَ لا؟
صاحب المقال : فارس محمد