طه لمخير
لقد قرأت ما دونته النائبة الموقرة آمنة ماء العينين على صفحتها، فشعرت بأنها تفاجأت من خسّة بني حزبها، وفِي الوقت ذاته تخشى أن يهزمها نفاقها إذا هي استمرت في لعب دور لم تعد قادرة على تقمصه، و تلاوة طقوس وترانيم لم يصبح لأدائها مع جماعتها من معنى سوى تأكيد روح العبث والانتهازية التي طبعت مسيرة الحزب. وتذكرت ما قاله الدكاترة زكي مبارك وهو هائم في شوارع القاهرة: (أنا في أزمة عقلية لو سلطت على جبل راسخ لحولته إلى رماد تذروه الرياح، وأكاد أصعق من الخوف كلما توهمت أني قد انهزم في محاربة الرياء والنفاق).
فأما غالبية المغاربة فلا ينقمون عليها سوى نشاز اللحن مع الرقص، وتعارض النغمات المعلنة وتلك المضمرة، وتضارب الإيقاعات مع الكلمات، لكنهم لم يحرموا المَغْنى نفسه ولا حب الحياة (فتأملي). فلسنا ناقمين على شخصك بل على ازدواجيتك واستمرارك في خداعنا وخداع نفسك باستمرارك في خطّ بات واضحا أنك على صدام مع مرجعيته، وفِي دهليز تبين لديك أنه ينتهي إلى حُطام مركوم، فلِمَ تستمرين فيه وأنت حرة في تركه والخوض في تيار غيره؟
وأما الذين يرمونك بالعهر، فقد كانوا دائما هم الإسلاميون قناديلُ الظلام، الذين هم عشيرتك الأقربون، وأنت قنديلة منهم وقد شقَّتْكِ الايديولوجيا نصفين تحترقين بينهما، وتشتعلين تارة وتارة تنطفئين، فإن لم يَقُلْ كلمةَ العهر سادتُهم صراحة لدواعي حفظ ماء الوجه، فقد قالوها في لحن القول وفِي مجالسهم الخاصة إذا خلوا إلى شياطينهم، وهذه تصريحاتهم المتضاربة بعضها تلعنك، وبعضها تخذلك، واُخرى تصفك بالانحراف، وبعضها من نوع الطلقات "الفشنك" التي تقول ما لا تريد وتريد ما لا تقول.
إن الحزب الذي لا يتضامن مع منتسباته لأنه بات يَراهُنّ عاهرات لا يستحق أن تمكثي فيه لحظة واحدة..
إن الحزب الذي يتضامن مع القتلة ويناصرهم ويستعر من امرأة خلعت الحجاب لا يستحق إلا الازدراء..
اخلعيهم جميعا كما خلعت الشرنقة، اخلعيهم كالحذاء الذي تلبسينه، واخلعي بقايا عصور الظلام وشظايا البؤس وأشباح الارهاب..
أنت أيتها النائبة، ألا ترين أنك في مملكة تتنفس فيها كل الألوان وتنمو على تربتها الشريفة بساتين مزهرة من الأعراق المختلفة والألسن والعقائد والأفكار… مهما حاولوا نحتنا على قالب واحد ونمط جامد. ولا تنسي، فنحن في الأصل صوفية من أهل العرفان والجمال، قباب الله الخضراء وأضرحة العارفين المتألّهين، ليس فينا جلافة البدو وغلظة الوهابية.
لستِ يا سيدتي في أفغانستان أو ايران، مراتع الظلام ومحاضن الإجرام..
لن يقذفك أحد بماء النار، ولن يسلط عليك أحد سياط الجلادين، ولن يضع أحد رقبتك بين النطع والسيف..
إذا هم زهدوا فيك فهناك ألف حزب وحزب سيتلقاك بأحضان دافئة.. وألف سرب وسرب ستغردين فيه بما تهوى نفسك وتشتهين..
أعلم أن هناك كثيرات مثلك في غولاغ الحزب يرزحن تحت نير الاكراه وقيود الايديولوجيا.. هناك في أقبية المعنى وفِي ظلال الرهبة والخوف، وتحت قصف الجبر و ضيق الحِجر..
أعلم أيضا أن صنم الحزب كان يبيع لنا البطاطا الفاسدة عندما زعم أن ابنته لو خلعت ثوب الايديولوجيا لما منعها، فإن ذلك لا خيار له فيه لأن قوانين البلد تمنعه.
لكن، ألا تكونين أنت أيضا متورطة إلى أذنيك في كل هذا اللغط، ألست تجنين من وراء الحجاب مغانم كثيرة؟
أجل، إنك تكسبين من وراءه الكثير، ومعك أخوات لك يكسبن مثل ملئ الأرض ذهبا وحريرا، فهل من العقل أن تتنكبين طريق المال من أجل حرية بخسة لا تسوى رغيفا؟ وكيف لا يصدق الساذجون بأنك مستهدفة لأنك مزعجة..؟ مزعجة، هذه النغمة التي تتردد على ألسنة الكثيرين هذه الأيام.
إنكم تعيشون أزهى عصوركم في المغرب أيها المزعجون، ليالي ألف قنديل وقنديلة، قصص العشق وأخبار الغرام، الليالي الملاح الملأى بالجواري والغلمان والنكاح، حيث تدور أقداح العابثين في ماخور الأيديولوجيا الذين أسكرتهم خمرة السياسة والأضواء والريع.. ثم بعد كل هذا لم تقدموا شيئاً سوى الجدل والمراهقة السياسية والعربدة في المؤسسات، عدم جدواكم صارخة، سوءة إدارتكم بادية، زيفكم فاضح.. لستم سوى خصية عقيمة مجذومة مزهوة بعطنها.. فعيشي بقية عمرك كذبةً في الحزب، أو اختاري حقيقتك خارجه.