انتهت الحكاية مثلما بدأت «على فاشوش» مثلمايقول المصريون،أي باللاشيء، طالما أنها في البدء كانت تعني اللاشيء،وكان ممكنا لها أن تختم نفسها عند ضربة البداية لو تسلح القوم ببعض من الصدق والشجاعة وواجهوا الحقيقة ولم يكذبوا..
نتحدث هنا عن المسلسل غير التركي، بل المغربي/ الباريسي الذي شغل الناس هذا الأسبوع، والذي يهم نائبة من العدالة والتنمية التقطت لها صور في الصائفة الماضية أي في الصيف الذي يضيع فيه الناس عادة اللبن، وهي في بارس دون سترة الرأس التي تعد العلامة التجارية/الدينية/السياسية للأحزاب التي تشبه حزب السيدة النائبة، والتي تتيح دونما التوفر على برنامج سياسي حقيقي الدخول إلى البرلمان وترؤس الحكومات وغير ذلك من الامتيازات، التي يضمنها التصويت الشعبي في البلدان العربية والإسلامية المنصورة بإذن الله تعالى نصرا كبيرا مؤزرا.
الحكاية وعندما انطلقت، كانت الخطة الدفاعية للسيدة النائبة وللحواريين المحيطين بها، أو المتعاطفين معها، أو المعنيين بأمرها تقوم على التالي: لا وجود لأي صور، وتلك الكليشيهات التي تتجول في الأنترنيت بكل حرية هي كليشيهات مفبركة، طالها غير قليل من الفوتوشوب والتحوير والتلاعب.
«وعلاش هاد الشي كامل بالسلامة؟»
لأن السيدة النائبة تمثل جناح الممانعة الصنديد في البلد، ولأنها مثل الآخر الذي صور نفسه في الفيديوهات رفقة مستخدمات لديه، ومثل الآخر الذي أصابه الزهايمر ونسي أنه شارك في قتل طالب زميل له بداية التسعينيات ومثل الآخر الذي لم يعد يميز بين حسابه البنكي الشخصي وبين حساب جمعية الأبحاث التي يرأسها، ومثل الآخرين الذين يحيون في وهم النضال في زمن الشعارات الكبرى حد فقدان المعنى، أناس يقضون مضجع الدولة والمخزن والإمبريالية العالمية والموساد والكاجيبي والسي إن إن والسي بي إس وكل المخابرات وكل القنوات التلفزيونية التي يمكنها أن تخطر لك على بال.
لذلك تجلس كل هاته الأجهزة رفقة كل هاته التلفزيونات في مكان مظلم، ويشرعون في تدبير أمور عديدة بليل، لكي يقضوا على الممانعة، ولكي يطوعوا الجميع، ولكي لا ترتفع الأصوات المعارضة الشجاعة للأماجد النشامى وللحرائر الصنديدات في أي مكان.
طبعا عندما تنتهي من الضحك من هذا التفسير الموغل في الغباء، تعود إلى الواقع وتطرح السؤال بكل بساطة وبداهة «دوك التصاور كاينين ولا ماكاينينش، وشكون صورهم آللا؟»
هنا تتغير الخطة الدفاعية من اثنين، اثنين أربعة إلى خمسة واحد ستة، وتجد السيدة النائبة البرلمانية الوحي والهدي والكلام السديد من الزعيم الذي سبقها بليال طويلة في الحياة، ما يجعله بالضرورة سابقا لها في الحيل أيضا، وهو ما جعله يفتي عليها فتوى سهلة وبسيطة كان يمكنها أن تعفيها وتعفي الأمة كلها من هذا النقاش لو استجارت بها منذ الوهلة الأولى..
قال لها الزعيم «قولي ليهم حيدت الفولار، إيوا ومن بعد؟»، فصاحت النائبة وهي تكاد تطير من الفرح بعد أيام طويلة من التفكير والقلق «أوريكا... وجدتها... وجدتها».
أترون كم هي سهلة الحياة؟ أتلاحظون كم هي بسيطة عندما نتسلح بكل شجاعتنا ولا نكترث بكل ما تقوله الجموع، ونقرر أن نتحمل مسؤولية اختياراتنا الفردية التي تهمنا لوحدنا ولا تهم الآخرين لا من قريب ولا من بعيد؟
طبعا ترون وتلاحظون. ولعله درس رائع وبليغ هذا الذي تلقاه هذا التيار الفضولي، الذي يحلو له أن يجلس على الناصية وأن يراقب الناس دون أن يخشى الموت غما عكس ما قال الشاعر، ويشرع في التنقيط للعباد وللبلاد: هذا كافر وهذا زنديق، هذا متهتك عربيد، وهذا قليل حياء، وهذا عديم أخلاق، وهذا سائر مباشرة إلى الجنة سيدخلها دون تأشيرة، والآخر ذاهب إن شاء رب العباد إلى سقر»، وهكذا دواليك مما يظل الناس يعابونه باستمرار على هؤلاء الفضوليين، ويقولون لهم: «دعوا الخلق للخالق، واستغفروا ربكم، وحاولوا أن تصلحوا أنفسكم أنتم فقط».
اليوم ها هم يعودون إلى هاته القاعدة الحياتية البسيطة التي تقول إنه من واجبك أن تحترم حرية أي شخص في أن يفعل بذاته وبجسده ما يريد، وأنه لا يحق لك إطلاقا أن تتدخل في هذا الأمر لأنه لا يعنيك لا من قريب ولا من بعيد.
ترى، هل سيكون هذا الدرس قاسيا إلى درجة الإيمان النهائي بهاته القاعدة الموغلة في الحرية والحياة؟
أم ترى السكرة ستذهب يوما وستعود الفكرة، وسنجد نفس شخصيات هاته المسرحية الهزلية وهم يقفون أمام باب القنوات التلفزيونية يطالبون بأن يتحكموا في برمجتها، ويهاجمون دور العرض السينمائية ويتهمونها بنشر الفجور، ويسبون الصحافيين ويكفرون المعارضين، ويعتقدون أنهم وحدهم الطائفة الناجية في هذا المكان، وأن الآخرين كل الآخرين سائرون إلى الجحيم؟
نحن نتمنى، ولا نملك إلا التمني. فعندما تكون مؤمنا حقيقيا بالحرية، تشعر بالسرور عندما ترى التحاق أفراد من المعسكر الآخر بما ظللت تتلقى الشتم والسب والكلام البذيء بشأنه لسنوات وسنوات من نفس التيار الذي أتى منه هؤلاء التائبون الجدد..
تقول لنفسك إن التحاق عناصر جديدة بمنطق التفكير الحر هو انتصار يستحق فعلا الاحتفاء به، وقرع أكواب من الماء الحلال الزلال في العاصمة الفرنسية باريس، أو في غيرها من عواصم العالم نخبا للحياة، وتكريسا للمنطق السوي السليم الذي يقول إن أمهات الناس قد ولدتهم أحرارا، فمن يحق لهم استعبادهم ومتى أعطاته جهة ما هذا الحق الكريه؟
«سانطي» للجميع احتفالا بتوبة السيدة النائبة النصوح، والعقبى للآخرين..
المختار لغزيوي