*ذ. عمر الزيدي
لعل من حسنات الجدل داخل إئتلاف الهيئات الحقوقية، الذي عرفه البيان حول المدعو حامي الدين، أنه أفضى الى عدم الاتفاق على صدوره بل أن أطراف من داخل الهيئة تصدت له وأصدرت بيانات منددة به. لا يهمني في الأخير هل هو مسودة عرضت على الهيئة أم هو مقترح من طرف العصبة، المهم أنه أصبح يتيما دون أهل. الجميع يتقاذفه ويرمي نسبه إلى الآخر. وهذا في حد ذاته موقف، رغم أنه خجول، لماذا؟ لأن الاخوة والأخوات في الهيئة حشروا أنفسهم في موقف البحث عن كيفية حماية الجاني (؟؟؟). والحال أن من مهام العمل الحقوقي إسناد المظلوم من أجل تمتيعه بحقوقه. وهل هناك من مظلوم في هذه النازلة أكثر من الشهيد الذي فقد حياته. أما الجاني وكيفما كان، وكيفما كان موقعه في المجتمع فهو يبقى بريء حتى تثبت إدانته، وما يكون على الحقوقيين إلا المطالبة بالحقيقة وعدم الإفلات من العقاب واستقلالية القضاء والمحاكمة العادلة.
لقد سبق لي أن أوضحت في مقال سابق أن الادعاء بالتقادم ساقطة بحكم المادة 6 من المسطرة الجنائية الواضحة “ينقطع أمد تقادم الدعوى العمومية بكل إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة تقوم به السلطة القضائية أو تأمر به”، فالملف لم يغلق على امتداد 25 سنة، وهناك إجراءات قضائية ضد عناصر أخرى لازالت تروج أمام القضاء بالموازاة مع متابعة حامي الدين.
الدفع بسبقية البث وأن حسابات سياسية تريد الدولة تصفيتها مع حزب الجاني المفترض حسب الادعاء القضائي. لعل الدفع بالمادة 369 ساقط وغير ملائم للحالة التي نحن بصددها لأن المعني بالمتابعة لم يبرأ ولم يتم إعفاءه من المتابعة بل أدين، ولكن بتهمة أخرى. وهنا أطلب من ذوي العقول الحقوقية أن تفك سر الأسئلة التالية :
1- من كانت له مصلحة تصفية اليسار في الجامعة خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي؟
2- ما هو الدور الذي لعبه المتأسلمون في هذه المسألة، وبكل تياراتهم؟
3- من الذي كان يحميهم ويعطيهم الضمانات؟
إن الجواب على هذه الأسئلة يساعدنا على فهم، لماذا تحول حامي الدين من عضو نشيط في الاصلاح والتجديد في الجامعة إلى قاعدي في ملف محاكمة 1994، أي من معتدي إلى ضحية صحبة الحديوي الخمار، وحسب إفادة حامي الدين بإيعاز من “إياهم” سيتم اعتقال الشرقاوي من جديد بتهمة القتل، وهو مناضل قاعدي لم تكن له اي علاقة بالجامعة منذ مغادرته السجن، ولولا بطولته بالاستمرار في إضراب عن الطعام لمدة تجاوزت الشهرين لما افرج عنه بعد حوار مع الاستاذ زيان بصفته وزير حقوق الانسان آنذاك.
في نفس السياق لابد أن نطرح السؤال، لماذا تغيرت مادة المتابعة من 403 إلى 405، ومن غيرها. هذا التغيير كان جوهريا لتخفيف العقوبة. المادة 403 من القانون الجنائي تقول: “إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل الإيذاء أو العنف قد ارتكب عمدا، ولكن دون نية القتل، ومع ذلك ترتب عنه الموت، فإن العقوبة تكون السجن من عشر إلى عشرين سنة. وفي حالة توفر سبق الاصرار والترصد أو استعمال السلاح تكون العقوبة السجن المؤبد.”
أما المادة 405 من نفس القانون، فتقول : “من ساهم في مشاجرة أو عصيان أو تجمع ثوري، ارتكب أثناءه عنف أفضى إلى موت، طبق الشروط المشار إليها في المادة 403، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس، ما لم يستحق عقوبة أشد باعتباره مرتكبا للعنف”. لعله من الواضح أن الايادي التي دفعت المتأسلمين الى حرب بالوكالة لتصفية اليساريين من الجامعة هي نفس الايادي التي أرجعت حامي الدين قاعديا وحولت مادة المتابعة لتخفيف الحكم. التدخل السياسي واضح المعالم والاهداف، ونحن شهود عيان على ما وقع، وعلى كيفية دخول العنف المسلح بالسلاح الابيض والبلطجة الى الجامعة المغربية، والجميع يعرف، وعلى رأسهم الحقوقيين من يشكل العنف ضد المجتمع حجر الزاوية في ثقافته، بناء على تكفير المجتمع.
هل يحق إعادة فتح التحقيق في الملف ما دام لم يطله حكم التقادم؟ نعم، الباب الخامس عشر من المسطرة الجنائية يتيح هذه الامكانية ب”إعادة التحقيق بسبب ظهور أدلة جديدة”. المادة 228 تقول: “إذا صدر أمر بعدم متابعة المتهم. فلا يمكن متابعته من أجل نفس الفعل إلا إذا ظهرت أدلة جديدة”. المتهم لم يبرأ بحيث أدين بتكييف آخر للتهمة، وظهرت أدلة جديدة تؤطرها المادة 229 بشكل واضح : “تعد أدلة جديدة شهادة الشهود والمستندات والمحاضر التي لم يكن في الامكان عرضها على قاضي التحقيق لدراستها، والتي من طبيعتها إما أن تعزز الأدلة التي تبين أنها جد ضعيفة، و إما أن تعطي للأفعال تطورات مفيدة لإظهار الحقيقة.
أعتقد بأن المتابعة بجريمة “المساهمة في مشاجرة ارتكب أثناءها عنف أدى إلى وفاة” ليست هي “جناية القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد”، وأن الالتباس الذي شاب الملف في بدايته خلال التسعينات لم يعد مطروحا، مما يجعل المساطر التي اعتمدها قاضي التحقيق والنيابة لدى محكمة الاستئناف بفاس سليمة، ولا تشكل هذه الضجة إلا محاولة للفت الانظار وتقديم حزب المتهم بأنه مستهدف، متناسين بأن هناك مجني عليه الشهيد آيت الجيد محمد بنعيسى الذي لازال يتحرك في قبره ولم ينصف ولم تنصف عائلته ولا رفاقه. فالبيان الفاقد للأهلية الذي يدفع بالبند 7 من المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على “لا يجوز تعريض أحد مجددا للمحاكمة…”، كان عليه أن يعتمد البند 1 من المادة 6 لنفس العهد، التي تقول :” الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا”.
يحاول المتهم أن يدفع بأن حزبه هو المستهدف، وكأن الأطراف التي تستهدفه تتعاطف مع الشهيد. لن تمر هذه المناورة على أبناء الشعب، فالحزب إياه يتحرك بوزرائه وبرلمانييه وكل منتخبيه ومنخرطيه لعرض قوته في شارع الحسن الثاني بفاس وعلى طول أرجاء الوطن، أما الشهيد فليس له الا عائلته والمناضلين والمناضلات المخلصين الماسكين على الجمر من أجل الحقيقة كل الحقيقة دفاعا عن استقلالية القضاء والمحاكمة العادلة. أراد الحزب إياه جر الائتلاف الحقوقي للتضامن معه ففشل في مسعاه أمام فطنة المناضلين والمناضلات وخطوة الجمعية المغربية لحقوق الانسان التي بقيت وفية لبيانها سنة 1993 وتنصبت كطرف مدني في الملف، وستأتي الأيام بفصول أخرى في معركة الحقيقة وعدم الافلات من العقاب واستقلالية القضاء كأساس في مشوار الكفاح من أجل الديمقراطية.
**أحد مؤسسي تجربة اليسار بالمغرب في السبعينات