طه لمخير
من عجيب أمر الاسلاميين أنهم قادرون على الانسلاخ عن مثالياتهم كشرب الماء، ففي الوقت الذي تكون فيه تلك المثاليات طريقا لكسب أصوات الجمهور وتجييش عواطفهم ضد الخصوم، فهم لا يتوانون في وصف من لا يؤمن بها أو يطبقها في حياته اليومية بأقذع الأوصاف وأشدها خسّة و سقوطاً، وحينما تصبح تلك المثاليات محرجة لهم أو عبئا عليهم، فإنهم يلزمون غرزهم ويلوذون حتى بأشد مثاليات الحداثة مصادمة لمرجعيتهم. وكلما ضغطنا عليهم أكثر، أخرجنا ما في جعبتهم من نفاق وحربائية وقدرة على التضليل.
وبعد أن ملأوا الأرض صراخا على الهوية المزعومة، ذلك الصنم الذي يعكفون عليه ويبنون حوله مشروعهم المعادي للعصرانية والحداثة، فإنهم لا يلبثون عندما يجوعون أن يأكلوه على طريقة قريش وأصنامها المصنوعة من التمر.
وهم في كلتا الحالتين سواء تشبعوا أو تحللوا، لبسوا الحجاب أو مارسوا البورنو، لا ينفكون عن الإيحاء بأنهم مستهدفون في قيمهم وأمثولاتهم، ولا يجدون حرجا في مصادرة التأييد الإلهي الحصري لأعمالهم حتى تلك التي لا يمكن وصفها الا بفساد الذمة والانتهازية الصارخة والنفاق الاجتماعي الصريح.
فما الفرق بين الخلاعة السياسية لهؤلاء الاسلاميين وممثلة بورنو مثل مايا خليفة؛ التي صرحت بأن دخولها عالم الاباحية كان تلبية لرغبة ملحة في النضال وإثبات الذات، وهي إنما تتاجر برأس مالها الجسدي فقط في حصص البورنو، أما في حياتها الشخصية فهي امرأة عادية منفصلة تماما عن عالم الخلاعة. ومن هذا المنزع يمكن أن نرى ماء العينين محجبة يوم الاثنين وبغير حجاب يوم الأربعاء، أو محجبة في العاشرة صباحا ومن غير حجاب بعد العصر، حيث لا يوجد أي معيار ثابت لهذه الزئبقية الايديولوجية. وفِي الوقت نفسه، فهم لا يكفون عن حشو الجماهير بديناميت الدعاية الاخلاقوية الرخيصة وحملات تحت يافطة "حجابي عفتي" حتى بلغ الهوس بهم إلى تحنيط طفلات في عمر ثلاث سنوات، من هذا البيدوفيل الذي سينتصب لرؤية شعر طفلة لا زالت تحبو !!!..
وهكذا بعد أن صمتت ماء العينين دهرا نطقت عهرا، ولجأت إلى صنمها التمري ابن كيران الذي منحها فتوى براغماتية فوق-ايديولوجية خلط فيها الحابل بالنابل للخروج من المأزق بأقل الخسائر،والعودة إلى النضالية و"الراس المرفوعة"،وهذا ما نفخ في جبهتها المقصوفة روح الشجاعة لتقول بصلابة خدّ أن لها أن تلبس الحجاب في المغرب وتخلعت خارجه، وكأنها تغير ملابس الصيف بملابس الشتاء، أو كأن هذا الحجاب الذي يقيم حوله الاسلاميون مهرجان العفة وآخرون في بلدان ثيوقراطية يقذفون غير المحجبات بماء النار ليس سوى فولولار Hermès أو قبعة gavroche ، ليس سوى موضة خاضعة لألوان الموسم التي يضعها مصمموا الأزياء في باريس وتورينو.
ينبغي التنبه إلى أن الاسلاميين بارعون في فن الانحناء للعاصفة، و فن الملاكمة البراغماتية أيضا، فهم عندما يحشرون في الزاوية يلوذون إلى وضعية الدفاع بوضع القبضتين على الوجه لحمايته مما يتلقاه من لكمات العقلانية والمنطق، وهي الوضعية المعروفة ب Peekaboo ، لكنهم سرعان ما يعودون ليوجهوا ضربات غير قانونية من تحت الحزام.