عندما كان الزميل علي أنوزلا يمتهن الصحافة (من المهانة وليس الامتهان)، كان يبحث بكل الوسائل عن المعلومة والخبر، سواء كانت مكتوبة أو موثقة في صورة أو مقاطع مسجلة، ويعتبرها “سبقا صحفيا” أو “سكوب” كما هو متداول في أعراف مهنة المتاعب.
أما اليوم، وبعدما دخل الزميل السابق في بطالة مهنية وعطالة فكرية مستدامة، فقد أصبح يعتبر السكوب والسبق الصحفي “تشهيرا”، وينظر إلى الخبر والصورة كسلاح مؤذي، ويعتبر الدعامات الصحفية مثل “ترسانة رصاص” غايتها الوحيدة هي شحن أقلام الصحفيين ضد سياسية لم تبلغ بعد أشدّها ولم تبلغ الأربعين، واصفا إياهم (أي معشر الصحفيين) بشكل مشفر ومبطن ” كدمى الأراغوز” التي يتم تحريكها في الظلام الحالك بقدر حلكة ما يخالج سرائره الدفينة من أفكار قاتمة دامسة.
وحده الزميل علي أنوزلا، الذي فطن دون غيره إلى الخلفيات وليس التداعيات في صور آمنة ماء العينين، ووحده من اهتدى إلى الوسيلة والرسالة في صناعة الرأي العام في هذه القضية، ووحده أيضا الذي خوّن الصحافة والصحافيين الذين نشروا هذا السبق الصحفي، ليس نكاية في الصحفي أو المنبر الإعلامي الذي كان له السبق الصحفي في قضية ماء العينين، وإنما هو اجترار لمنهج فكري يرى في الدولة ذلك “البعبع” الذي يقف وراء أوزار الساسة والسياسيين، واستحضارا أيضا لعقيدة تنهل من زمن السبعينيات، حيث صناعة النضال كأصل تجاري كانت تتم عبر طريق واحد هو “مناوأة كل ما هو رسمي في الدولة”، حتى وإن اقتضى الحال اعتبار الدولة هي المشجب الذي تعلّق عليه خطايا اليساريين وخطيئة الإسلاميين.
إن أهم وأصدق ما نشره الزميل علي أنوزلا في مقاله المعنون بـ”سلاح التشهير”، هو عنوان المقال لا محتواه، إذ أنه أمعن مليا في التشهير بالصحافيين والدعامات التي نشرت السبق الصحفي، واستل سلاح التشهير من غمده وانبرى يُقطّب في بني جلدته من الصحافيين، بدعوى الانتصار للحريات الفردية، والدفاع عن سياسية مغمورة يعتبرها شوكة في خاصرة الدولة.
ففي قضية صور ماء العينين، تتطابق الخلفيات مع التداعيات، لأن من يبني خطابه السياسي على العفة والطهرانية والالتزام الديني، وتصل به الجسارة السياسية إلى حد الإفتاء في الأخلاق، ينبغي أن يكون مسؤولا عن تداعيات خطابه، وأن لا يجد حرجا في قبول النقد والتجريح والتقريع متى خالفت أفعاله نهج خطابه السياسي، الذي كان هو السبيل الوحيد الذي مهّد له الطريق لتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام.
وفي قضية ماء العينين، لا فرق بين الوسيلة والرسالة، فهما وجهان لعملة واحدة، أو كما يقول المثل المغربي الدارج “لي كيشطح ما كيخبيش وجهو”(الراقصة لا تواري وجهها). فماء العينين عندما اختارت السياسة بشعار ” المعقول” و”الالتزام الديني”، كان عليها أن تنتهج ذلك سيرة وسلوكا، في السر والنجوى، وفي الرباط وباريس أيضا. أمّا وإنها آثرت ازدواجية الخطاب والأفعال، فإن الشهرة قد تصير تشهيرا، لأن مجرد تبرزّها (من البرزة في حفلات الزفاف) بتنورة دون الركبتين وتسريحة شعر متحللة من كل وشاح، يجعلها هي من تشهّر بنفسها دونما حاجة إلى صحفي ليقوم بذلك.
إن النقاش الحقيقي حاليا لا ينصب على من سرّب الصور، أو من التقطها، أو ما هي حدود الحرية الشخصية للشخصيات العامة، وإنما يتمحور حول منسوب التفاعل الكبير للرأي العام المغربي مع تلك الصور! فكثيرة هي التعليقات والتدوينات التي تشجب وتندد بازدواجية الخطاب بين رواد العالم الأزرق ووسائط الإعلام البديل. وهذا مؤشر مهم كان على السيد علي أنوزلا أن يقرأه من منظور صحفي تحليلي، لا أن يشحذ سلاح التشهير من جعبته المتآكلة، وينهل من محبرة مداده الآسن، لينفث سمومه على صحفيين اختاروا البحث عن المعلومة والخبر، والتعامل معهما من زاوية السبق الصحفي، ولم يجعلوا، في يوم من الأيام، عقيدتهم تقوم على شيء واحد هو العداء للمغرب، أو هاموا على وجههم في الدول يستجدون مقابل عدميتهم وعدوانيتهم، مثلما يقوم بذلك البعض دون حمرة خجل.