قد يبدو الأمرُ غريبًا بعض الشيء، عندما سيكتشف القارئُ الكريم، أنّي جمعتُ بين فيلسوفيْن عظيميْن، لا تربط بينهما رابطة، لا من حيث العصر، ولا من حيث الفكر، وأعني بهما [باسكال: 1623 ــ 1662] و[ڤولتير: 1694 ــ 1778]؛ فمثلاً [باسكال] مات سنة (1662)، و[ڤولتير] ازداد سنة (1694)، ومات سنة (1778)، وبين موت الأوّل، وتاريخ موت الثاني، يكون الفارق (116) سنة؛ لكنْ كيف جمعتُ بينهما والحالة هذه؟ هل تعسّفتُ في ذلك؟ كلاّ! هل كذبتُ بشأنهما مستهترًا بالأمانة الفكرية؟ كلاّ وحاشا! ففي أيّة نقطة جمعتَ بين الفيلسوفيْن يا هذا؟ هكذا سيسأل القارئُ منتظرًا جوابًا شافيًا، وله كامل الحقّ في ذلك، ما دام المسلمُ الحقيقي يتميّز بلسان سَؤُول، وقلبٍ عقول، وطوبى له.. لا أُنكِر أنّي تعاطيتُ مع فلسفتَيْ كلٍّ منهما على حدة، ولي مآخذ عليهما؛ فمثلا [باسكال]، لا أوافقه الرّأيَ في ما سُمّي (رهانُ باسكال) بخصوص الإيمان بالله عزّ وجلّ؛ لأنّ الإيمانَ لا يجوز أن يستحيل إلى (رهان)؛ فهو إمّا أن تؤْمن أوْ لا تؤمن، بمعزل عن لعبة الرّهان.. وأما [ڤولتير]، فإني لا أوافقه الرأيَ، عندما يقول إنّ أصحاب الأموال والأغنياء، هم أحقُّ بحكم الشعوب، لأنهم شَبْعانون ولن يطمعوا في أموال الدولة؛ ولكنّ العكسَ هو الذي حدث، فلصوص الدولة هم الأثرياء للأسف الشديد، والواقع يؤكّد ذلك بالحجج الدامغة..
يقول [باسكال]: [لا يمكن أن تقوم بأعمال الخير كما يجب، أو أعمال الشّر كما ينبغي، إذ لم يكن هناك اقتناعٌ بما ستقوم به].. ويقول [ڤولتير]: [يمكن تثقيفُ الناس، وإقناعهم، عن طريق الكلام، والحوار، والخَطابة].. فالإرهابيون من قتلة، ومجرمين، وسفّاكي الدماء، هم أفراد اقتنعوا بجرائمهم، واعتبروها عبادةً كما صوّرها لهم (أميرُهم) وأقنعَهم بها علماؤُهم، وهم بجرائمهم يسعون وراء نيل الشهادة، خصوصا ونبيُّهم الذي ليس نبيَّنا، يقول لهم عبر حديث مشهور: [جِئْتُكم بالذّبح]؛ لذا تراهم اقتنعوا بالذّبح، وارتبطتْ عقيدتُهم بالدّماء، واحتقار الحياة، واختيار حياة الآخرة عن اقتناع بما جاء في مراجعهم.. ففي (سُنَن ابن ماجة) كتاب (الزُّهد) الجزء: (02)؛ صفحة: (3381): إنّ (الشهيد) تنتظره بعد موته (72 زوجة، ما مِن هُنّ واحدة، إلاّ ولها قَبُلٌ (أي فَرْجٌ) شهيٌ، وله ذَكرٌ لا يَنْثني)؛ لكنّنا نحن نَحْرِم هؤلاء من هذه النعمة، ونمنع عنهم الإعدام، ونجبرهم على الحياة، والإقامة في ملجَإ يسمّى السّجن ظاهريًا، ولكنّه (بانسيون) لحرمان القتلة من نعيم الجنّة، وهذا ليس بعدل؛ فالمجرم اختار، ولابدّ من احترام اختياره، مغتبط بما فعله، غيْر نادم ما دام [أسوأُ القتلة جبنًا هو الذي يشعر بالندم]، مسرحية (الذباب) [جان بولا سارتر]..
والسؤال المطروح هو: كيف تمكّن علماءُ، وفقهاء الدّماء والإرهاب، من إقناع هؤلاء بالذّبح، والقتل، وقطْع الرؤوس؛ وعلماؤُنا في المجالس العلمية، وفي المساجد، عجزوا عن إقناع الناس بأنّ القتل جريمة بشعة، وبأنّ مَن قتل فردًا، فقد قتل أمّةً بأسرها؟ الجواب يكمن في نوعية الخطاب المعتمَد، وفي اللغة المستعملة، وفي الأدلّة المقدَّمة، للمتلقّي.. فعلماؤُنا لم يطوّروا مناهجهم، ولم يغيّروا مواضيعَهم، ولم يفتحوا أبواب الأسئلة للناس، ولم يبيّنوا لهم خطورةَ هذه الأحاديث المكذوبة؛ فمساجدنا كما قال عالمٌ نقلاً عن حديث صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: [مساجدهم عامرةٌ، وهي خرابٌ من الهدى].. فمساجدُنا تكلّفنا الملايير شهريًا؛ ومجالسنا العلمية تكلّفنا الملايين التي يتقاضاها علماء فاشلون سُحْتًا وباطلا، وإلاّ لماذا نجح علماءُ الضَّلال، والإرهاب، في ما فشل فيه هؤلاء العلماءُ في بلادنا؟ وصدق [أبو حيّان التوحيدي] [أيها الفقيه؛ عِلمُكَ لفْظ، وروايتُكَ حِفْظ، وعملُكَ رفْض]؛ فماذا استفدنا من مؤتمرات الصوفية، وحوار الأديان، وطُرُق العبادات؛ وكلّها تكلّف الملايير من أموال الأمّة؟ لقد حذَر جلالةُ الملك من المؤسّسات الجهوية الأشباح، وهذه المجالس العلمية هي كذلك ينطبق عليها هذا الوصف، بحيث لا دوْر لها، ولا تأثيرَ في تكوين المواطن المغربي المسلم..
خُطبة صلاة الجمعة، جُعِلت في الإسلام لمناقشة مشاكل المجتمع، وهموم الأمّة، والتذكير بأحكام الله فيها، وبوصايا النّبي عليه الصلاةُ والسلام؛ فهل سمعتَ يوم الجمعة (21 دجنبر 2018) خطيبًا واحدًا يتطرّق إلى جريمة قتْل السائحتيْـن الأسكنديناڤيتيْن؟ أبدًا لم ولن يحدث، لأنّ الخطيبَ لابدّ وأنْ يذكِّر بحكْم الله في حقّ القتلَة، لكنّ الخطيب يتجنّب هذه المواضيع خوفًا من العزل، فيدخل في الأدبيات، وفي الوعظ والإرشاد، وفي فوائد الصّوم، وأجْر الحجّ، وقيمة النوافل، ثم السلام عليكم.. كيف سيذكّر بعقوبة الإعدام المنصوص عليها في القرآن الكريم، وأصحاب القرار في مراكز القرار، كلّهم من مؤيّدي إلغاء عقوبة الإعدام، حفاظًا على حياة القتلة، واحترامًا للإرهابيين، وسفّاكي الدماء، الذين تدافع عنهم منظّمات هدْم الأمم، وتحرص على حياتهم، وتجعلهم في صلب مبادئ حقوق الإنسان، وتؤكّد على حقّهم في الحياة في المغرب، لا في الصّين، أو غيْرها من دول للحياة فيها قيمةٌ ومَن قَتَلَ يُقْتَلْ..