أيُّ تغيير هذا، لو أنّك وضعتَ مكان ذئب، ثعلبًا ماكرًا! فرئيسُ الحكومة (العثماني) لو دقّقتَ النظر جيّدا، لخِلتَه أخطر على الأمّة من سلفه (بنكيران) لأسباب عديدة لمن له عيـنٌ يقظة وبصيرة.. لكنْ ما الذي جعل (العثماني) أمْكر، وأخطَر على هذه الأمّة؟ يبدو الرجلُ هادئًا غيْر منفعل، يتظاهر بالحكمة الزائفة، ويوزّع على الشاشة ابتسامات دعاية معجون الأسنان، لكنّه يمْكُر مكرًا كُبّارًا.. فما الذي جعل (العثماني) رغم ضُعْفه، واعوجاج سياسته، وتهافُت مواقفه، يتمادى في غيّه؟ إنّه تساهُلُنا مع مطبّاته، وتسامُحنا تجاه كبواته، وغضُّنا الطرفَ عن ضعفه، فحسبَنا نخاف منه، ومن صولة حزبه.. لقد كان لسلفه مثلا إنجازٌ يتمثّل في اتهام نبي الله (إبراهيم) عليه السلام بالكذب، وكذلك فعل (العثماني) يوم وصف في كتاب لا يلتفت إليه عاقلٌ النبيَ الكريم (محمّد) عليه الصلاة والسلام، بالممارسات السياسية، واستدعى علماءَ كذَبة للترويج لكتابه أمثال (مورو) التّونسي الذي يشارك في برامجَ ضاحكة، وحصص تافهة، في القنوات التونسية.. يا لَلْخيبة!
لقدِ اجتمع مع وفد دُوَيْلة [كوسوڤو] في الأمم المتّحدة، وهو يجهل أنّ بلدنا لا علاقة له بهذا الكيان، ومع ذلك كذب (العثماني)، ونفى لقاءَه بهذا الوفد، ولـمّا سفّهتْه الصّورُ بالألوان، ادّعى أنّ رئيسَ الوفد الكوسوڤي فرض نفسَه عليه؛ وهل هذا المبرّر مقبول في المجال الدّبلوماسي؟ هذا يبين أنّ الرجلَ مجرّد متطفّل على السياسة، ولا علاقة له بها، لا من بعيد، ولا من قريب؛ فإنْ كانت الديموقراطية هي التي حملتْه إلى رئاسة الحكومة، فتبّا لها من ديموقراطية؛ فمصلحة البلاد أهمُّ منها، وقد كان من الواجب أن يتوصّل بنبإ العزل من المنصب قبْل خروجه من ردهات المنتظم الدولي، وكما عرفتْ فترةُ (بنكيران) مطبّات، ومآسي، وأزمات اجتماعية، فإنّ فترة (العثماني) عرفتْ هي كذلك أحداثًا خطيرة كأحداث (الحسيمة وجرادة) وغيرهما.. لقد أوصى جلالةُ الملك بفتح حوار اجتماعي، لكنّ (العثماني) صار ينسف هذا الحوار، وقد صارت بلادنا تعاني أكثر من معاناة الشعب الفرنسي الذي عرف خروجَ (السترات الصفراء) إلى الشارع، وشعبُنا اليوم، هو كذلك يوجد على رماد من تحته نار..
هذا هو (العثماني) الذي يدافع عن تقاعُد (النواب)، وعن تعدد التعويضات، ويناهض كلّ ما يتعلّق بمصالح الشعب؛ والآن، وضع مؤسسات ومرافق في المزاد بهدف خوصصتها، لا، بل زاد على فظاعة سياسته بمحاولته نسْفَ عدالة البلد، دفاعا عن مواطن بسيط مطلوب من طرف العدالة.. صار يهاجم القضاءَ صراحةً، فيما القضاء في واقع الحال أقوى من (العثماني) في دولة القضاء.. فقرار القاضي لا يقوى أمامه حتى الرئيسُ (ترامب) أو الرئيسُ السابق (ساركوزي) أو رئيسُ وزراء إسرائيل (نتانياهو)، فكيف يقوى أمامه رئيسُ حكومة ضعيف، وفاشل، مثل (العثماني) الذي مكّن عميلَه (حامي الدّين) من حصانة ليست من اختصاصه.. فالعدالةُ قادرة على أن تجرّ (العثماني) من رقبته، وتوجّه له تهمة المساس بالقضاء، بلِ العدالةُ قادرةٌ، والحالة هذه، على أن تُسْقِطَ حكومةً من علْيائها فتردّ الاعتبارَ لمكانتها، وتلقّن درسًا لكل من يتجرأ عليها، ويستهين بهيبتها.. هكذا عرفنا العدالة منذ أقدم العصور..
(حامي الدّين) هذا، سبق أن قال إنّ الملكيةَ هي الأصلُ في تخلُّف المغرب، ومع ذلك دافع عنه (العثماني).. (الرّميد) هذا، سبق أن قال إنّ المغرب يحتاج إلى ملكية برلمانية، فصمت (العثماني)؛ فهذا الرجل يدافع، ويغضُّ الطرف عن أعداء الملَكية، بدليل أنّ (حامي الدّين) اتهم الملكيةَ، وأنّ (الرميد) ينادي بملكية برلمانية كبديل، والآن يهاجم (العثماني) و(الرميد) العدالةَ التي تحْكم باسم جلالة الملك، وبهذا تكون كلّ الشروط قد توفّرت لإسقاط هذه الحكومة، وحَلِّ الحزب، وجَرِّ هؤلاء من أعناقهم إلى المحاكم؛ فماذا يعني السكوتُ عنهم بعد كل هذا؟ ما السّر في التساهل معهم في حين يجرّ مواطنٌ مقهور، اشتدّ غضبُه لسوء حاله، فانفلت منه لسانُه، إلى المحاكمة؟ هل هذا معقول في دولة الحق والقانون؟! فلو صمتْنا عن هؤلاء، أعداء الملكية، لجاز إلغاءُ كل الأحكام السابقة، ولقيل إنّ عدالتنا تطال الضعفاء، ولا قوّة لها أمام الأقوياء؛ وهؤلاء ليسوا بأقوياء، لكنّ ضعْفَنا هو الذي صوّرهم لنا أقوياء.. لقد عاثوا في البلاد فسادًا، وتخوّضوا في أحوال الأمّة، واستغاث الشعبُ دون جدوى، والآن تطاولوا على العدالة، حتى صار الشعبُ يعتقد أنّ حزب (العدالة والتنمية) صار قويّا مثْله مثل الحزب الشيوعي أيام (ستالين)؛ لهذا؛ لابدّ أن نثبت للقائلين بهذه القوة الوهمية أنّهم على خطإ، وأنّ العدالةَ هي الأقوى في البلاد، ولا أحد فوق العدالة مهما كان منصبُه، ومهما طغى بنفوذه، أو بماله، وبهذا فقط، تردّ البلادُ اعتبارها، وتستردّ العدالةُ هيبتَها، وصولتَها، عندما تُقْطَع ألسنةُ الطاعنين في الملَكية، والعابثين بحرمة القضاء، والمستخفّين بقوانين الدولة؛ هذا هو المفروض؛ وإلاّ..