المختار لغزيوي
التعامل الحازم مع الإشادة بالإرهاب الذي ظهر مجددا، بمناسبة الحادث الأليم الذي كانت إمليل مسرحا له وأودى بحياة سائحتين بريئتين، هو تعامل إيجابي وهو التعامل الذي يجب أن يكون ردنا جميعا على كل من يعتبر القتل حرية تحرك، أو كل من يعتبر إزهاق الأرواح مجرد اختلاف في الرأي لايفسد للود قضية، وينسى أنه يفسد للعمر كل ماتبقى منه ويحرم الأبرياء من الحياة.
كارثة الإشادة بالإرهاب والإرهابيين، والبحث لهم المرة بعد الأخرى عن المشجب الذي ستعلق عليه التبريرات الفارغة هي كارثة لا تقل وقعا ولا سوداوية عن الإرهاب ذاته.
ذلك أن الجاهل الذي يمر إلى الفعل الإرهابي، ويعتقد أنه سيحقق من خلال جريمته أو جرائمه ربح الدين والدنيا، يظل أقل خطورة من المتعلم الذي يجلس أمام حاسوبه أو هاتفه النقال، والذي يتفرج من البدء حتى المتم على الفيديو المرعب أو الصور الرهيبة لعمليات القتل، ثم يحتسي ببرودة قاتلة قهوته أو مشروبه الذي يؤنس به نفسه ويشرع في كتابة التعليق الذي يجد به المبرر أو العذر أو الذي ينوه من خلاله بالفعل الإرهابي الخطير.
قلناها يوم مقتل السفير الروسي في تركيا، وشرحنا بالخشيبات لمن كانوا يزعمون حينها أن الأمر مجرد حماس شباب لا يجب أن نتعامل معه بحساسية مبالغ فيه (كذا وأيم الله !!) إن شبابا في نفس عمر أولئك المنوهين هم الذين ينفذون اليوم العمليات الإرهابية في كل مكان من العالم، وأننا لو استكنا لعملية التحقيب العمري هاته ووجدنا العذر لكل مخطئ في أنه مجرد "شاب أخذه الحماس إلي حيث لم يكن يتوقع"، فإننا ملزمون بالقوة أن نجد الأعذار لمن يمارسون القتل، ولمن ينفذون الإرهاب إذا كانوا صغارا وشبابا.
يومها استفاق تيار سياسي بأكمله، واتهمنا أننا نحرض الدولة على صغار يافعين يغارون على دينهم، ولربما أخطؤوا في طريقة التعبير عن هاته الغيرة.
بَرَّأْنا حينها الدين من الموضوع كله، وبَرَّأْنا معه الغيرة، وقلنا إنه فكر الإرهاب الذي يشيد بالإرهاب وكفى، وكتبناها بالأسود على الأبيض ونحن معتنقون لها مؤمنون بها " المشيد بالإرهابي إرهابي وكفى".
تطورت الأمور بعدها حيث تطورت، ووجد كثيرون من بين هؤلاء المتورطين في هاته الإشادة من يدافع عنهم، ونسي الناس الموضوع أو كادوا إلى أن أتت حكاية إمليل المحزنة هاته، واكتشف القوم مجددا أن معنا ومنا وبيننا من يتصورون القتل اختلافا في الآراء فعلا، ومن يعتبرون تصفية المنتمين للأديان الأخرى أمرا عاديا ومقبولا و"لايتطلب كل هذا الضجيج".
ثم رأينا عطفا على ماتقدم، و بسبب التسامح في مالاتسامح معه، آخرين يتمنون القتل لرئيس الحكومة، ويعتقدون أنه كان يمكن أن ينحر عوض السائحتين. ورأينا آخرين يتمنون القتل والتفجير لقيادات العدالة والتنمية، ورأينا قبل ذلك إبان أحداث الحسيمة من ينشرون صور المواجهات ويتمنون القتل لمسؤولين في الشرطة المغربية، ورأينا أمورا أخرى أبشع كلها نتاج التساهل الأول بطريقة غبية مع فعل الإشادة هذا الذي لايمكن إلا أن يكون مدانا وبنفس الدرجة التي تدان بها العملية الإرهابية نفسها.
يبدو الكلام مكررا بعض الشيء؟
نعم والأمر مقصود، لأن النية هي ألا يصبح هذا الموضوع عاديا، ألا نُطَبِّع معه، وألا نعتبر أننا فرغنا منه لمجرد أن الدولة اعتقلت أربعة عشر شخصا نوهوا بما وقع في إمليل.
لا، الحكاية تبدأ اليوم بالكاد، ويجب أن يكون لها صدى حقيقي في وسائل إعلامنا، ويجب أن يسند هذا الصدى صدى أول وأهم في مؤسساتنا التعليمية، بموجبه نشرح لصغارنا أن من يفرح لقتل مخالف أو شخص من ديانة أخرى أو مختلف جنسيا أو عرقيا أو سياسيا هو مشروع قاتل لم يجد الشجاعة الوقحة اللازمة للمرور إلى الفعل الإجرامي فاكتفى بالتنويه اللفظي.
يجب أيضا أن تكون معركتنا ضد الكراهية وضد من يحضون على الكراهية معركة يومية ودائمة، لاتخضع لحماس مؤقت عابر عقب كل حادث أليم. في هذا الصدد هناك تيار سياسي بعينه يوسس كل أدبياته على حكاية الكراهية هاته، فهو يكره الحياة، ويكره المختلفين عنه الذين يسميهم كفارا أو صهاينة أو ملحدين أو خارجين عن الملة، أو ماشئتم من الأوصاف السهلة التي لا تكلف صاحبها إلا أن يلقيها على رؤوس الناس وأن يمضي دون أن يشرحها لهم حتى. وهذا التيار له سند في غير مامكان ، يجد له العذر المرة بعد الأخرى، يكتب له التبريرات، ويهيء له الأرضية ندوات ومحاضرات وسجالات عقيمة وتهجمات محددة على شخصيات بعينها وعلى أفكار بعينها وعلى مؤسسات بعينها.
هذا التيار يقال لنا اليوم إن الحل الوحيد الذي نملكه معه هو أن نطبع مع مايمكن التطبيع معه داخله، وأن نترك الاختلافات إلى حين مؤجل. ماذا وإلا فإن لدى هذا التيار ردا على الأمر هو المرور إلى السرعة القصوى وتفجير المجتمع بأكمله.
معذرة، المسألة هنا تخرج عن طور الصراع السياسي، وتصبح حكاية ابتزاز لا أقل ولا أكثر، قوامها الأساسي والواضح: إما أن تقبلوا بنا وبتجاوزاتنا حتى أكثرها تطرفا وإما نعدكم بتطرف أسوأ من هذا وسترون وستندمون على ماسترونه.
طالعوا الاختيارين جيدا وستفهمون ألا اختيار لدينا في نهاية المطاف..
الاختيار الوحيد الحقيقي هو أن نعتنق استئصال الإرهاب فعلا، وأن نؤمن حقا بضرورة استئصال مسبباته وأفكاره والجهات المدافعة عنه، كل الجهات المدافعة عنه.
الاختيار الوحيد - إذا صح لنا أن نسمي هذا القدر الإجباري اختيارا - هو أن نقاوم بشجاعة وبوجه مكشوف، لأن هذا التيار يهددنا اليوم أو غدا بمخرج وحيد هو القتل، علما أننا في هاته الحياة "مبشرون" جميعا بالموت، لكن الفرق بين من يموت بشجاعة وهو يدافع بجرأة واضحة على أفكاره وبين من يقتل يوميا عشرات المرات لأنه جبن عن التصريح بمايؤمن به حقا وراعى كثير الأشياء التي لا معنى لها وإن منافقا وكاذبا أو جبانا خائفا هو فرق كبير .
ترانا نملك الاختيار فعلا في إجبارية المقاومة هاته للقتلة ولمن ينوهون بالقتل أيها السادة؟ ترانا نملك هذا الحق فعلا؟؟؟