منذ ثماني سنوات؛ منذ تولّي الإخوان الحكم في هذا البلد الأمين، كنتُ من الأوائل غيْر الراضين، وغيْر المتفائلين، برئاسة هؤلاء للحكومة.. كانت زوجتي من أوائل المنتقدين لكتاباتي، يوم كانت متعاطفة معهم، وتصوِّت لهم بذريعة أنّهم أهلُ تقوى، يدْعون إلى الله أو هم على الأقلّ يصلّون، ويسجدون لله، ولا يقربون ما حرّم الله.. كان جوابي وقتئذ هو: [حتى (عبد الله بن أُبَي بن سَلول) الملقّب بـ(أمير المنافقين)، كان يصلي إلى يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ؛ ولـمّا مات حضر النبيُ شخصيًا جنازتَه، ووقف على قبره، فجذَبه (عمَر) رضي الله عنه، وقال له: (كيف تدعو له يا رسول الله، ومن نفاقِه ما قد علمتَ؟)؛ فكان جوابُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لمْ أَدْعُ له، بل دعوتُ عليه: (اللّهم اِلْعَنْه، واِحْشُ قبرَه نارًا.
يوم كتبتُ في إحدى مقالاتي، أنه حتى الأمطار عزّتْ في عهدهم، والسماء شحّتْ، قال (بنكيران) معلّقًا على العبارة: [يقولون إنّ الأمطار عزّتْ، وكأننا نحن الذين منعْنا سقوطَها]. وانفجر ضاحكا وصفّق له المصفّقون.. لكنّ الذي عنيتُه بعبارتي، هو أنّ طالعهم نحْس، والذي زاد من قناعتي بأنّ الله لن يجريَ خيرًا على أيديهم، هو عندما سمعتُ (بنكيران) يدافع عن الكذب منذ البداية، بذريعة أنّه حتى سيدنا (إبراهيم) كذب ثلاث كذبات، والله عزّ وجلّ يقول: [واذكرْ في الكتاب إبراهيمَ إنّه كان نبيًا صِدّيقًا] صدق الله العظيم. لقد نادى (بنكيران) بكثير من الهراء، وتحدّث بكثير من الترهات، وأعطى كثيرا من الوعود الكاذبة، ومَنْ مِنا لا يذْكرها؟! لقد ذكّرني وقتئذ بسياسة [عبد الملك بن مروان] الذي كان يقيم في المسجد ليلا نهارًا، ويحدّث الناسَ بمناقب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويوم جاءه الخبرُ، وهو يقرأ القرآنَ، بأنّه صار خليفةً، خاطب المصحفَ قائلاً له: (هذا آخر العهد بيني وبينكَ). ثم خطب في الرّعية قائلا: [وإنّي لا أداوي أدواء هذه الأمّة إلاّ بالسيف؛ والله لا يأمرني أحدٌ بتقوى الله بعد مقامي هذا إلاّ ضربتُ عنقَه]. ثم نزل منْ على المنبر..
قلتُ وقتَها ما قاله يهوديٌ أسلم اسمُه (يوسف) في حق (آل مروان): [وَيْلٌ لأمّة محمّد من أهل هذه الدار]. وهو ما قلتُه في حق حزب (العدالة والتنمية): [وَيْلٌ لأمّة (محمد السادس) من أهل هذا الحزب]، وقد صدّقَتْني الأحداثُ جملةً وتفصيلا.. غشِيَ الأمّةَ ظلامٌ دامس، وانقطع الرّجاءُ، وعمّ وباءُ التبذير، والتخوُّض في مال الدولة بما لا يرضي الله؛ فأين من حملات (وإيّاكم الرشوة!) كلّفتِ الملايير، وازدادتِ الرشوة.. ثم حملاتُ محاربة الفساد انتهت بمقولة (عفا اللهُ عمّا سلف) فرح بها الفاسدون، واطمأنّ المفسدون.. ثم انطلقتْ صواريخُ الأسعار من قواعدها نحو الغلاف الجوّي، وتبعتْها ديونُ الدولة، ثم تلتها الاقتطاعاتُ من أجور الموظفين، والعمّال، وازدادتْ أعدادُ العاطلين، واقتُطِع من أجور المضربين، بعدما كان حزب (العدالة والتنمية) هو مَن حقّق أرقامًا قياسيةً في عدد الإضرابات، وخاصة في قطاع التربية والتعليم، فعمّ الغبـنُ، ونزل الحَزَنُ بكافة المواطنين، وساد الفقر..
بدأت البلادُ تشهد مظاهرَ مشينة لم تعرفْها على مدى تاريخها الطويل.. بدأ المواطنون التعساء، منْهم من يحرق جسدَه، ومنهم من يشنق نفسَه، ومنهم من يلقي بنفسه من الأعلى إلى الأسفل، ومنهم من يركب أمواجَ البحر فارّا من مغرب (العدالة والتنمية).. انتشرتِ السّرقات، والجرائم، واغتنتْ موسوعتُها في عهد (الدعوة إلى الله) ثم جاء دوْرُ نسْف القطاعات؛ وبعد أربع سنوات من محاولة إصلاح التعليم، التي كلّفت الملايير، قرّر وزيرُ (بنكيران) إلغاء هذا الإصلاح دُون استشارة كما قال جلالةُ الملك في خطابه.. لقد أراد (بنكيران) إلغاء مجّانية التعليم، لولا تدخُّل جلالة الملك الذي أنقذ هذه المجّانية.. استخدم (بنكيران) العنفَ مع رجال التعليم، وسالت الدماءُ في الشوارع، ثم انتهى إلى قرار جائر وهو التوظيف بالعقدة، وصار المدرّسُ مرتزقًا بدلاً من جندي في خدمة الوطن، يحارب الجهلَ والأمّيةَ.. ثم التفَت (بنكيران) إلى التقاعد، فزاد في السن، وخصم ثلُثَ التعويضات، وهو ما لم يفعلْه حتى الديكتاتوريون العتاة، وإذا به يتراءى له صندوقُ المقاصّة، فأدخله إلى (le collimateur) لينسفَه قائلا: (ولو جاءت الصيـنُ كلّها تحتجّ)، لأن الصين شعبٌ، والمغاربة مجرّد قطيع؛ بعدها بدأت مَطبّاتٌ متعلّقة بوحدتنا الترابية، وأخرى مع (روسيا) عندما انتقدها نصرةً لجبهة (النصرة) الإرهابية، فكان جلالةُ الملك وكأنّه يُصْلح أخطاءَ طفلٍ لم يبلغْ بعد سنَّ الرشد.. بعدها أعلن (بنكيران) أنّه غيرُ محتاج إلى رضا الملك، بل يحتاج إلى رضا الوالديْن، وكأنّ والديْه هما مَن عيّناه على رأس الحكومة، مع العلم أنّ هناك فرقًا بين رضا الملك ورضا الوالديْن؛ وهكذا دُمِّرت سائرُ القطاعات، وتراكمت ديونُ البلاد، وتعمّقتِ الأزمات، وعمّ السَّخطُ الوطنَ بأسره، والآن جاء دوْرُ العدالة والقضاء..